"أصبحت تلازم مرآتها ليل نهار، يغشاها نوع من الألم الذي لا أعلم مصدره ساعات تلو الساعات، تفضل الوحدة مع تلك المرآة، إلى أن اكتشفت أنها أصبحت تسرف في استعمال ألوان الصبغات الخاصة بالشعر، وعندما سألتها عن سر ذلك الارتباك؟ أجابتني بأن خصلات من الشعر الأبيض بدأت تغزو شعرها دونما أي سابق إنذار، وهي لازلت في سن مبكرة".

بتلك العبارات بدأت مدينة العنزي والملقبة بـ "أم طارق" تتحدث عن معاناة بنتها فاطمة ذات الخمسة عشر ربيعا، ولم تخف قلقها عن سر ذلك البياض الذي بدأ يظهر وبشكل ملفت للنظر حيث تقول: "ما زاد الأمر حيرة في نفسي وقلقي على ابنتي فاطمة هو عدم معرفة السبب الذي جعل الشيب يظهر في خصلات شعرها، وبخاصة أنني لا أذكر أن أحدا من عائلتنا يعاني من هذه المشكلة".

احتلال الشيب لشعر "فاطمة" جعلها تقوم بتغطيته بالصبغة، وتبالغ في استخدامها مما قد يضر بفروة شعرها.

وفاطمة ليست الفتاة الوحيدة التي اجتاح الشيب شعرها وهي لا تزال صغيرة وفي بداية عمرها، حيث تقول "أم فايز" "تفاجأت بأن طفلي الذي لم يتجاوز سن العاشرة قد أصبح شعره مختلطا باللونين الأبيض والأسود ولا أعلم السبب، قمت بالتحدث مع والده خوفا عليه من أن يكون قد يتعرض لضغوطات نفسية خارج المنزل، إلى أن توصلت إلى أنه لا يعاني من أية مشاكل سواء خارج البيت أو داخله، وبدأت أتساءل ما الذي يجعل طفلا دون سن العاشرة تكسو رأسه علامات القهر والوهن الذي لطالما ربطناها قديما بكثرة الهم والضغوطات النفسية".

وتابعت قائلة: "أشعر بأنه من واجبي كأم البحث عن أسباب الشيب لدى طفلي؟ ولن أكتفي بالبحث عن الأسباب، بل لابد من معرفة الحلول المناسبة؟ للتخلص من علامات الشيب في وقت مبكر".

للإجابة عن تلك الأسئلة التقت "الوطن" بأخصائية الطب النفسي بمستشفى الصحة النفسية بالقريات هدى البشير حيث تقول: "ظهور الشيب له علاقة بالحالة العضوية بالدرجة الأولى، فنقص الحديد، والزنك، وفيتامين B12 وD3 أيضاً من العوامل التي تؤثر على الشعر، فتقل صبغة "الميلانين" الملونة في الجسم، فينتشر الشيب في الشعر"، وأوصت بالاهتمام بالعناصر الغذائية المتنوعة الموجودة بالأطعمة والخضروات.

وشددت على أهمية الانتباه إلى أن عدم تناول الأطعمة التي يتوفر بها الزنك يؤدي إلى ظهور الشعر الأبيض عند الصغار، كما أثبتت العديد من الدراسات ذلك، ونصحت بتناول كمية كافية منه في الغذاء، حيث يمنع ذلك ظهور الشيب المبكر الذي يصاب به الأطفال.

وعن الأثر النفسي ودوره في ظهور الشعر الأبيض في عمر مبكر، قالت البشير: مما لاشك فيه أن الضغوطات النفسية والهموم قد تلعب دورا مهما في إيجاد بيئة خصبة للشعر الأبيض في مقتبل العمر، فالإرهاصات النفسية قد تسبب الاكتئاب والعزلة، مما يقلل من نشاطات الشخص وقدراته الانفعالية، وبالتالي يتكون لديه نوع من الألم الذي لا يستطيع البوح به لأحد، حتى وإن كان بسيطا، فيؤثر ذلك على الجهاز العصبي، وهكذا يؤثر على إنتاج المواد العضوية التي لها علاقة بالشكل الخارجي للشخص، لاسيما الشعر، فيصاب في هذه الحالة بالشيب المبكر".

وعن الوراثة وأثرها في الشيب المبكر تقول البشير: إن "الجهاز الوراثي في الغالب يتأثر بالظروف التي تحاصر الإنسان، وتلك المناخات والظروف تؤثر على وحدات الوراثة في الجسم ومنها الوحدات المتحكمة في تلوين الشعر".