د. أريج داغستاني

استشارية علاقات أسرية


رسالة تكتب بحبر من دموع أمهات على الأسرة البيضاء؛ بسبب فقدان أبنائهم تحت المظلة المظلمة التي تتلبس بالجهاد، التي وجدنا تحتها الفقيد والأسير، والعائد النافر من مجتمعه وأهله، والحامل داخله أفكار تخريب المجتمع، والناكر لدينه وجذوره.

رسالة تكتب بدم أمهات وآباء جفت أعصابهم من الخوف على فلذات أكبادهم من الوقوع بين براثن فكرة الجهاد غير المكتملة.. إلى أولادنا وبناتنا وشبابنا الواعي، الذين قرروا أن يلبسوا ثوب فكرة واحدة، تاركين وراءهم كل ملابسهم الفكرية التي اعتادوا اختيار أشكالها وألوانها، كلٌّ بما يناسب المكان المنشود قصده، ادرسوا.. ابحثوا .. استشيروا .. قبل أن تشتروا ثوبا خلف زجاجة العرض، دون أن تدركوا جودة ألوانه، وإتقان خيوطه التي تحيكه، ومدى ملاءمة مقاسه لكم، وللمكان الذي تقصدونه..

مهما كانت ثقتكم في العارضين لأفكار الثوب.. فبقاؤكم عراة ليس مسؤولية الجهات العارضة، فهم مستقطبون لمن يركض وراء اسم المصمم أو الماركة المسجلة، أو رواج فكرة الثوب دون تدقيق ورؤية واضحة وأهداف حقيقية وأفكار يقينية للبس كل ما هو لائق أو غير لائق، المهم ما يليق بالأماكن المنشودة، وليس بما يليق بفكرهم وشخصيتهم ودينهم، ولرسولنا الكريم رؤية لمن يلبس ثوب الجهاد، يتجلى بوضوح من خلال موقفه الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع من جاءه يطلب الجهاد.. فرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أشار إلى أن بر الوالدين مقدَّمٌ على الجهاد في سبيل الله، وذلك أن رجلا استأذن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للجهاد في سبيل الله، فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "أحيٌّ والداك؟" قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهِدْ" متفق عليه من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه. معنى ذلك أن نبي الأمة لم ينكر الدراسة والبحث لقياس الملائم من الأمور، فأفكارنا هي ثيابنا التي تعبر عن شخصيتنا وقدراتنا أمام الآخرين.

أنا لا أختلف معكم حول فكرة الجهاد، ولبس ثياب المجاهد الشريفة، ولكن ما أدعو إليه أن يستخدم شبابنا الراغب في الجهاد عقلهم بكل ما بداخله من موازين للحلال والحرام.. للصح والخطأ.. للنافع والضار.. من قيم وأهداف تكونت بداخلهم نتيجة مثابرتهم وعلمهم وكونت طموحاتهم وخبراتهم.. عقلكم الذي هو بمثابة القبة لشخصيتكم التي بدأ بناؤها منذ نعومة أظفاركم، واستمرت معكم سنين ما بلغتموه من العمر، التي إذا عجزنا عن بناء جزء منها لم يمنعنا ديننا أن نسأل من يعيننا على اكتمالها..

فقبل أن تفكروا أن تحيكوا فكرة ثوب المجاهد، التي هي أصغر في العمر، مقارنة بعمر قبة شخصيتكم المتمثلة في عقلكم، عليكم ألا تسلموا قبة عقلكم لمن يستعمرها ويستولي عليها..

عليكم أن تستخدموا منهج البحث عن الخيوط التي تشد وتقوي وتحمي هذا الثوب من التمزق، فابحثوا عن خيوط السياسي المتعامل مع أحداث الحروب، وخيوط الكاتب والمحلل الناقد؛ لأنه العين الساهرة والمصححة، وخيوط القائد المخطط، وخيوط الجغرافي الدارس، وخيوط المحارب الحازم، حتى يكتمل عندكم ثوب المجاهد الواعي لأرض الجهاد، والمدرك للأغراض الحقيقية لمن يديرون أرض الجهاد المنشودة؛ لتكونوا على بصيرة وحرية لاتخاذ قرار الاستمرار ولبس ثوب الجهاد.. أم من الحكمة تركه والرجوع عن اقتنائه مهما كانت ثقتنا في المستقطبين لفكرة الثوب.. فوعينا بقرار ترك الثوب لا يعبر عن عدم ثقتنا في المنتجين له، كما أن أخذنا للثوب لا يعني ثقتنا فيهم.. ولكن قرار الترك أو الأخذ يعبر عن ثقتنا الكاملة لما ارتضينا لبسه ومدى ملاءمته لنا ولمظلة قبتنا.