منذ أسبوعين "20 مايو" نشرت وزارة التجارة والصناعة نتائج استطلاع للآراء عن مدى رضا المستهلكين عن خدمات وكالات السيارات. وفي تطور قد يكون الأول من نوعه، نشرت الأسبوع الماضي إعلاناً في الصحف سمّت فيه إحدى الوكالات التي تم تغريمها لارتكابها مخالفات قانونية.

وأفصحت الوزارة كذلك في استطلاع الآراء عن أسماء الوكالات الـ(18) التي تم تقييمها في هذا المسح، حيث أكدت نتائجه الانطباع السلبي السائد عن أدائها، وعبر الثلثان (67 بالمئة) من الإجابات عن عدم الرضا عن خدماتها. وتجاوزت نسبة عدم الرضا (50) بالمئة في حق (17) منها، بل تجاوزت نسبة (80) بالمئة في بعض الحالات.

وقد أجرت الوزارة المسح بالتعاون مع فريق أكاديمي، واستجاب للمسح (27) ألفا، أغلبهم (87 بالمئة) من حملة الشهادات الجامعية والعليا.

ونتائج المسح مثيرة للإحباط، ليس فقط بسبب عدم الرضا عن خدمات وكالات السيارات، بل لأن الأمر يزداد سوءا عاما بعد عام. ففي العام الماضي، أجرت الوزارة مسحا مماثلا بلغ متوسط عدم الرضا فيه نسبة (61) بالمئة، أي أن الاستياء زاد هذا العام (10) بالمئة. ومقارنة بنتائج مسح العام الماضي، تحسنت معدلات أربع وكالات فقط (مع أنها ما زالت سيئة)، في حين زادت نسبة الاستياء من الوكالات الـ(14) الباقية.

وبالإضافة إلى نتائج المسح، أفادت الوزارة أنها تلقت خلال النصف الثاني من عام 2013 أكثر من 4270 شكوى وبلاغا بحق وكالات السيارات، وتنوعت بين بلاغات عدم توفر قطع الغيار أو الصيانة (بنسبة 29 بالمئة)، وبلاغات عدم الالتزام بتطبيق شروط الضمان (25 بالمئة)، وعيوب التصنيع (22 بالمئة)، وعدم الالتزام بشروط العقد (14 بالمئة).

واتخذت الوزارة بعض الخطوات في ضوء مسح العام الماضي، الذي ناقشت نتائجه مع الوكالات بهدف تحسين خدماتها، كما ناقشتها مع الشركات المصنعة وحثتها على اتخاذ تدابير مناسبة لتحسين خدمات وكلائها، بما في ذلك إنشاء مكاتب لها في المملكة.

وتم فرض غرامات على بعض الوكالات لمخالفتها النظام. ففي يوليو الماضي، حسب وكالة الأنباء السعودية، أصدرت هيئة تطبيق الأحكام الواردة في نظام الوكالات التجارية أربعة قرارات بحق ثلاث وكالات تتعلق بمخالفات التعامل مع العيوب التصنيعية، وعدم توفير قطع الغيار أو الصيانة المطلوبة. وفي الوقت نفسه، صدرت قرارات إدارية بحق ثماني وكالات بسبب مخالفات تتعلق بعدم إيضاح الأسعار، وعدم وضوح العقود، أو كتابتها باللغة الإنجليزية. ولم يتم الإفصاح حينها عن أسماء الوكالات المخالفة.

ولكن في الأسبوع الماضي، تم التشهير للمرة الأولى بإحدى وكالات السيارات المعروفة، حيث نشرت الوزارة إعلانات – على حساب الوكالة – توضح فيها أنه تم تغريمها لمخالفتها لنظام الوكالات.

ونشر أسماء المخالفين تطور جديد قد يكون له تأثير ملموس على تحسين الأداء، حيث فشلت المناشدات والضغوط التي تمارس بعيداً عن الإعلام في تحسين خدماتها، وكذا الغرامات التي تُفرض في السر. وما لم ينجح التشهير، فقد يكون من المناسب التفكير في عقوبات أشد، بما في ذلك وضع الوكالات المخالفة تحت المراقبة تمهيداً لسحبها ما لم تتحسن خلال فترة محددة.

وبالطبع أثارت هذه الإجراءات بعض ممثلي الوكالات، فصرح أحدهم بأن المسح الذي قامت به الوزارة "يفتقد إلى الشرعية القانونية وأنه مخالف لأنظمة المملكة ويفتقد إلى المنهجية العلمية والعملية." واتهم الوزارة بـ "التشهير بالشركات الوطنية" من خلال نشرها النتائج. واستشهد بأن الوكلاء "يحصدون سنويا العديد من الجوائز العالمية من تلك الشركات تقديراً لخدماتهم". وأشار في تصريح آخر إلى أنه تم إجراء استطلاع آخر من قبلهم خرج بنتائج معاكسة.

وبالطبع فإن رد الوكالات متوقع ولكنه مغلوط. فالوزارة مسؤولة عن تطبيق النظام، ولذلك فهي مخولة بنشر نتائج الدراسات والاستطلاعات والمسوح، والأحكام التي تصدر بحق المخالفين حماية للمستهلك.

ومما يدعم منهجية استطلاع الوزارة أن نتائجه متسقة عاماً بعد عام، وتتوافق مع آلاف الشكاوى التي تلقتها الوزارة العام الماضي. أما الاستشهاد بالجوائز التي تحصل عليها الوكالات من الشركات المصنعة فهي تقدير لخدمتها لتلك الشركات، وليست مبنية على رضا المستهلك، بخلاف المسح الذي أجرته الوزارة.

وما قامت به الوزارة هو كسر لحاجز الصمت الذي استمر عقوداً طويلة واستغلته بعض الوكالات لحماية مخالفاتها لأنظمة البلد، مستفيدة من وضعها المتحكم في السوق. فالوكالة عادة ما تحتكر، كلياً أو جزئياً، بيع السيارات الجديدة، وتحدد الأسعار وفقاً لما تراه مناسباً. ويزداد الأمر سوءاً بعد شراء السيارة، حيث تستطيع الوكالة التحكم في سرعة توفير قطع الغيار وتحديد أسعارها، ومدة الصيانة وتكلفتها، بصرف النظر عما ينص عليه النظام أو العقد أو الضمان. وبسبب عدم وجود المنافسة الحرة ليس للمستهلك خيار سوى الإذعان، خاصة فيما يتعلق بصيانة الموديلات الجديدة التي قد تحتوي على تقنيات وقطع غيار لا تتوفر إلا من خلال الوكيل.

ولذلك، فإن ثمة الكثير مما يمكن القيام به لتحقيق نوع من العدالة للمستهلك في هذه السوق غير المتوازنة. ولعل الوزارة تشدد من ضغطها على الوكلاء والشركات المصنعة لتحسين الخدمة، عن طريق مزيد من الإفصاح عما تجريه من تحقيقات وما تتخذه هي والهيئات القضائية وشبه القضائية من إجراءات وأحكام بحق المخالفين. وأن تشجع الشركات المصنعة على البيع المباشر للمستهلكين، وعلى تعدد الوكالات لسياراتها، ودفعها إلى التعامل بجدية مع شكاوى المستهلك، وفتح مكاتب لها للمتابعة والتقييم وتحسين مستوى الخدمات.

ومن الضروري كذلك أن ننظر بجدية في وضع قيود على عقود الوكالات بما يخدم مصالح المستهلك، كما فعلت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، معقل الرأسمالية وحرية السوق، فلم يعد مقبولاً القول بأن "العقد شريعة المتعاقدين" بصرف النظر عما يُصيب المستهلك من أضرار. وكما تُظهر مسوح الوزارة فإن هذه الاتفاقيات الحصرية بين الشركات المصنعة ووكلائها قد حرمت المستهلك من أهم سلاح لحمايته، وهو سلاح المنافسة.