في المكان نفسه، ولكن قبل 50 عاما، حطت رحال العم عبدالعزيز الفهمي، في أعالي العاصمة المقدسة بضاحية بعيدة كانت تسمى "حوض البقر"؛ نسبة إلى سقاية الأبقار آنذاك وتجمع تجار الماشية القادمين من جنوب مكة المكرمة، ومن يرى حي العزيزية اليوم، يدرك مقدار التغيير، الذي طرأ عليه، وجعل منه نقطة تجارية واقتصادية وسكنية للحجاج والمعتمرين، تدر دخلا يقترب من 1.5 مليار في موسم الحج، بحسب تقديرات الغرفة التجارية الصناعية بمكة المكرمة.

يعد العم عبدالعزيز شاهدا على عصر التحولات في المكان منذ أن أتى ماشيا للمكان قبل نصف قرن، محاولا إعادة تركيب المشهد بين حقبتين زمنيتين مختلفتين، راويا شكل المكان بقوله: "كان الحي حوضا تسقى فيه الأبقار، ويجتمع فيه تجار الماشية الواصلون من جهة الجنوب عن طريق المفجر؛ بعد أن تنهكهم الرحلة، ويوجد به حوض متصل بقنوات عين زبيدة، يستخدم للاستراحة على ضفافه وسقاية الماشية".

ويتحدث عن الميزة الجغرافية للمكان وطبيعة الأرض، قائلا: "يتميز المكان بارتفاعه عن وادي مكة شديد الحرارة في اتجاه طريق الطائف، الأمر الذي جعل الطقس لطيفا هناك؛ سيما وأن المنطقة خالية رملية وموحشة، وتخلو من كل مظاهر العمران الحديثة والخدمات والطرق، إلا من بعض المقاهي الشعبية القديمة والمتناثرة، والتي كانت بمثابة الفنادق، التي يستريح فيها عابرو السبيل وتقدم لهم الكراسي الخشبية والمساند والأغطية من جهة الطريق إلى منى وعرفات".

وبدا العمران يزحف شيئا فشيئا إلى المنطقة، وازدهرت مع الأعمال التجارية وحركة البناء، وانقلبت الصورة؛ بفعل حتمية التطور والتحدي، إذ يشرح العم عبدالعزيز أن "الحي تحول إلى مكان مختلف، يعج بالحياة والتطور والتنظيم وجميع المرافق الحكومية والتجارية والصحية والفنادق والأبراج السكنية، التي توفر الراحة والأمان، مقارنة بما كان عليه المكان نفسه قديما من افتراش العراء أو الحصول على كرسي خشبي في إحدى زوايا تلك المقاهي الممتدة في الوادي؛ بأبسط الإمكانات في زمن سالف".

الأرقام والإحصائيات المتداولة تشير إلى حقيقة تغير المكان والدور الذي يؤديه حي العزيزية على مدار سنين النمو والتطور، فحي العزيزية يتصدر قائمة إسكان الحجاج حاليا؛ حيث يضم أكثر من 300 برج سياحي، يضم الفنادق والمتاجر، فيما يفوق حجم العوائد المالية للحي 1.5 مليار ريال. ويعد "العزيزية" حي التجارة والاستثمار، ويحتضن الأسواق المركزية الكبرى ومحاكم مكة المكرمة وعددا من الكليات التابعة لجامعة أم القرى، وفروعا للمصارف الكبرى والخدمات العامة والصيدليات والمكتبات، وكذلك أشهر العلامات التجارية العالمية الخاصة بالمطاعم والألبسة والإلكترونيات والعطور، إلى جانب الأنشطة التجارية الشعبية المختلفة.

كا يعد شارع الحي الرئيسي في "العزيزية" من أهم الشوارع في مكة، إذ يسهل الوصول منه إلى منى، وهو أكثرها ازدحاما وحركة وتجارة في أيام الحج، فهو مسار الحجاج إلى الحرم ومنى، وتربطه بالحرم أنفاق وجسور حديثة، مما جعله على مقربة من الحرم المكي. ونظرا لقرب منطقة العزيزية من المسجد الحرام، فقد جعلها الموقع المميز خيارا لشركات الحج والعمرة لإسكان حجاجها ومعتمريها طوال العام؛ بعد أن كانت منطقة شبه مهجورة على مدار قرون طويلة!.