عاش خالد الفيصل جل حياته حاكما لمنطقتين من أكبر مناطق المملكة، وكانت ترده التقارير الأمنية عن كل ما يحصل في تلك المناطق، من نشاطات لأفراد وجماعات لها ارتباط فكري أو تنظيمي بجهات خارجية مناهضة ومعادية للدولة تحديدا، ولا همّ لأولئك إلا العمل على إسقاط الدولة التي علمتهم فتخرجوا من مدارسها وجامعاتها ليخرجوا عليها، وكان أجدادهم قبل ذلك يعيشون بفكرهم لحياتهم وآخرتهم حتى جاء أصحاب المشاريع الخارجية من الخارج وأخرجوهم من ديارهم، ليخوضوا معارك الغير، ظنا منهم أنهم يعملون في سبيل الله، بينما هم يعملون لمصالح أصحاب الفكر الضال المتشدد، الذي أنتج فكرا ضالا متفسخا معاكسا ومناهضا للفكر المتشدد، وكليهما على ضلالة، بينما يدفع المجتمع بغالبيته ضريبة التشدد الموجه لتلك القوى المتنازعة للسيطرة على المجتمع، وتوجيهه لمصالحها وزعاماتها التي تتلبس بأفكار الدين أو غيره ولا تؤمن به، ولكنها تتقمص ذلك الفكر الضال في الطرفين لكسب تعاطف الشريحة الكبرى من المجتمع، نحن في الوسط بين دعاة الضلال لا حول لنا ولا قوة؛ لأن الطرفين المتنافسين على المجتمع والدولة، لهما قيادات ليس بالضرورة أنها تؤمن بالفكر الضال، ولكنها تستخدمه كوسيلة لكسب جماهيريتها ونجوميتها، وجمع الأتباع السذج الذين ينطلي عليهم الفكر الضال الملبس بالدين عند المتشددين والمتشدقين بالدفاع عن الحقوق من المتفسخين، ظنا منهم أن من يتبعونهم من قيادات يعملون لخدمتهم والدفاع عن حقوقهم ومكتسباتهم ودينهم. ولهذا يناصبون الدولة والمجتمع العداء، بالرغم من أنهم يحظون بدعم بعض المتنفذين من أصحاب المصالح ممن يدعون كذبا بأن الدولة تدعمهم وتؤيدهم.
ولكن يجب أن نضع الأمور في نصابها الصحيح، الأمير خالد الفيصل محق، حين صرح "بأن التعليم في الماضي كان مختطفاً من قبل المتشددين"، ونحن ممن عمل في التعليم العام والعالي، وهناك جماعات شريرة تستخدم الدين الذي هو ديننا، ونعرفه أكثر منهم، ولن نسمح لأحد أن يتطاول علينا فيه؛ لأن ديننا فوق كل المزايدات، ونحن نعرف بعضنا جيدا، فقد درسنا في نفس المدارس، وقرأنا من المناهج إياها، ونصلي في المساجد التي اختطفها بعضهم، هناك من استخدم منابر المساجد للدفاع عن جماعات لا يعلم خطورتها عليه أولا، وعلى الدولة والمجتمع اللذين ينتمي إليهما ثانيا.
وهؤلاء الزمر قلة قليلة تجيش المعلمين والطلاب باسم الدين، بينما توجد شريحة عريضة هم من خيرة الناس، ولا يمثلون تلك الفئة من المرجفين والمضللين، ممن يستخدم الدين لتفجير الأسر والمجتمع، وإيجاد أفراد وجماعات؛ ليكونوا بهم زعامات ونجومية مزيفة، مدعين دفاعهم عن الدين والقيم والأخلاق، ولكنهم في الحقيقة يدافعون عن مصالحهم ومكتسباتهم واحتكارهم للمواقع التي يسيطرون عليها في الوزارات أو المدارس والجامعات والدوائر الحكومية المختلفة، وهم قلة جدا، غير أنها جماعات مؤثرة ومنظمة، ويتعاطف معها بعض المغرر بهم ظنا منهم أنهم في دائرة الاتهام، فيدافعون عن الضالين للدفاع عن أنفسهم، وهم في حل من أولئك المتنفعين.
التدين والعبادة مطلبان مهمان للجميع، ولا يعني التدين الانخراط في الجماعات الضالة ولا تشجيعها أو الانتماء إليها، خاصة أن تلك الجماعات الضالة تستخدم الدين؛ لأنه الشيء الوحيد الذي نجتمع عليه ولا ننكره، ويتم به إقناع الناس وتضليلهم.
وحتى تقف مزايدات هؤلاء المتطرفين الضالين في الطرفين، سواء كانوا في مراكز صناعة القرار في الوزارات، أو في منابر المساجد، أو في بعض الصحف والمؤسسات الإعلامية، أو المواقع الإلكترونية والتواصل الاجتماعي، يجب حصرهم في قوائم الفكر الضال المنحرف، والتشهير بهم وإبعادهم من المراكز التي يعملون فيها وتطهيرها منهم؛ حتى لا يستغلونها لإرهاب الناس وتضليلهم وظلمهم وتجييشهم لمشاريعهم الضالة.
وقد لوحظ كيف يستغل هؤلاء بعض الأسماء والشخصيات المشهورة للكتابة بأسمائهم؛ لتضليل الرأي العام من المواطنين الذين يتناقلون مقالات ورسائل كتبها أصحاب الفكر الضال، ونسبوها لشرفاء وكرماء هم أكبر من أن ينسب إليهم ما يرد في تلك الكتابات غير المنشورة، ولكنهم وصلوا من الإفلاس إلى هذه الطرق لرمي الناس بالباطل والطعن فيهم وتقويلهم ما لم يقولوا، وهذا الفكر يستطيع أن يبرر جميع جرائمه، ويزور كل شيء باستغلال الأسماء وتشجيع بعض الشخصيات الدينية المتزنة، والزج بها في مشاريعهم لأخذها دروعا يقاتلون من ورائها المجتمع والدولة؛ ولأن الدين مسألة أساسية عندنا جميعا، فهم يدخلون من هذا الباب لمعرفتهم مدى حب الناس للدين وتمسكهم به، وهو ما تؤيده الدولة وتحرص عليه؛ لأنه أساس حكمها ومنطلق شرعيتها.
لقد مل الناس هذه التيارات التي جاءت بعد الاستيلاء على الحرم المكي، وحرب أفغانستان، وما ظهر معها من قوى جديدة في المنطقة أدت إلى التشدد واستخدام الدين؛ للوصول إلى السلطة والحكم بالتعاون مع القوى الخارجية أو تناغما معها.
وللأسف فقد استجاب البعض لهذه القوى الشريرة وتعاطف معها وأيدها ظنا منهم أنهم يدافعون عن الدين والدولة، ولكنهم لم يعلموا أن تلك القوى لها غايات أبعد من تفكيرهم السطحي، وهم أول ضحاياها لو تمكنت من مخططاتها التدميرية القاتلة. وحتى ينأى الفرد بنفسه عن هذه الجماعات المشبوهة، سواء كان إمام مسجد أو معلما أو طالبا أو موظفا أو غيرهم، يجب أن يقرأ عنهم في الكتب ولا يتتبع الرسائل التلفونية ومواقع التواصل الاجتماعي، أو القنوات التلفزيونية المخترقة من أجهزة الاستخبارات والجماعات المعادية، التي تهدف إلى ضرب الوحدة الوطنية والأمن والاستقرار؛ انتقاما منها لمشاريعها ومصالحها التي تعمل على تنفيذها، وترويجا لتجارتها المفلسة في كل السلع الفكرية الفاسدة.
ويجب على الآباء والأمهات والأسر متابعة أبنائهم وبناتهم، والتعرف على أصدقائهم قبل أن يغرر بهم، ويتم غسل أدمغتهم وإدماجهم في الفكر الضال، الذي ستكون أولى ضحاياه أهلهم ومجتمعاتهم ودولهم.