يتحدث الجميع عن موافقة خادم الحرمين الشريفين على خطة وزير التربية والتعليم لتحقيق أهداف برنامج الملك عبدالله لتطوير التعليم العام بميزانية تفوق الثمانين مليار ريال، وذلك خلال الخمس سنوات القادمة.
تسود الإيجابية وروح التفاؤل بشكل عام على قطاع التعليم، فهذه المبادرة تعتبر لدى كثيرين أملا جديدا للتغيير والتطوير الذي طال انتظاره. في الوقت نفسه، لا تخلو الساحة من المشككين والمعترضين، خصوصا المعلمين الذين يشتكون من ضياع حقوقهم الوظيفية.
بالرغم من عقد الأمير خالد الفيصل مؤتمرا لشرح البرنامج، إلا أن كثيرا من التفاصيل لا تزال غامضة وغير واضحة بما يكفي للحكم عليها. لكن عند الاستناد على الخطوط العريضة، للبنود الاثني عشر والجوانب التنفيذية الثلاثة التي استعرضها سمو الوزير، يمكننا النظر للبرنامج بموضوعية إلى حد ما مع تحليل الأثر المتوقع لكافة بنوده على المدى القصير والطويل.
تشتمل العديد من البنود على تغييرات هي في الواقع مشاريع تسد عجزا كبيرا يعاني منه قطاع التعليم حاليا، فكافة المبادرات التي تشتمل على بناء الروضات ومراكز التربية الخاصة وإحداث الوظائف الجديدة وربط المدارس بالإنترنت، ستوفر المقاعد الدراسية في ظروف تليق بأبنائنا وتحترم متطلبات القرن الواحد والعشرين.
هذا النوع من التغييرات قد يبدو مشابها إلى حد كبير للحملة الكبيرة التي قامت بها الدولة في بداياتها من خلال تأسيس المدارس بأعداد كبيرة والسماح للبنات بالدراسة وطباعة المناهج السعودية، أي سد عجز كبير وتوفير خدمات أساسية من البديهي أن المواطن بحاجة إليها.
الموجة الأولى من التغييرات الكمية صاحبتها تغييرات فكرية وثقافية أسهمت في تطوير نظرة المجتمع، خصوصا بالنسبة لدور المرأة، مثل: أهمية التعليم للحصول على وظيفة، والسماح بتعليم البنات في المدرسة، والعمل بعد التخرج.
هذه المرة أيضا ستفرض التغييرات التعليمية الجديدة ثقافات اجتماعية إيجابية محمودة، فعلى سبيل المثال سيتم تغيير ثقافة قبول انعدام الشفافية إلى حد ما؛ لأنه من المفترض أن أنظمة المحاسبة الجديدة ستغير طريقة الوزارة التقليدية في إنجاز الأعمال. أيضا، فوبيا مدارس وهيئات تعليم البنات من التقنية خوفا من الكاميرا وتصوير السيدات من المتوقع أن تتغير أيضا، خصوصا عند ضخ 1200 مليون ريال لربط كافة المدارس بالإنترنت. هذا بالإضافة إلى تشجيع الفتيات على ممارسة الرياضة في الأندية التي سيتم تخصيصها مع المشاركة في الأنشطة الثقافية المختلفة بشكل منظم.
على صعيد آخر وعلى مستوى أعمق من الإصلاح والتغيير، يقوم البرنامج بمحاولة هز الفكر التقليدي السائد في القطاع من خلال استثمار 5 مليارات ريال لابتعاث 25 ألف معلم لمدة عام إلى عدد من الدول للتدريب والاطلاع على الفصول والمناهج وغير ذلك.
برنامج الابتعاث بحد ذاته يعد نقله نوعية وغير مسبوقة في برامج تأهيل المعلم السعودي، لكن يجب التفكير فيما إذا كان الأثر المتوقع من البرنامج قادرا على تغيير الفكر التربوي المحلي نحو الأفضل بشكل مستدام.
عند دراسة وتحليل تجارب الدول المتقدمة، نرى أن غالبيتها تعتمد بشكل كبير على مؤسسات التعليم العالي وكليات التربية على وجه الخصوص للرفع من مستوى الكادر البشري، الذي يعمل في المدرسة (يمكن الاطلاع على مقالة سابقة في "الوطن"، بعنوان: "الكلية التي ستصنع فنلندا جديدة"، لمزيد من المعلومات).
ربما أدى ضعف التواصل بين وزارة التعليم العالي، ووزارة التربية والتعليم، إلى عدم وجود خطة تجمع بين الطرفين لتطوير المدرسة السعودية، لكن بإمكان وزارة التربية والتعليم الاستثمار في إنشاء مركز أبحاث وتدريب أو التعاقد مع مؤسسات تابعة للقطاع الخاص بحيث يتم إنشاء مركز فكري خاص بتطوير أسس التعليم السعودي ودراسة كيفية الرفع من مستوى طلابه مع تدريب كافة العاملين في المراكز والهيئات القائمة والتي سيتم إنشاؤها. هذا القصور (إن كان صحيحا)، فهو يؤدي إلى السير في الدائرة نفسها التي اعتدنا عليها، أي بناء المزيد من المراكز والمدارس "المتميزة" وتقديم المزيد من الخدمات مع عدم وجود المؤهلين والمتخصصين لمواكبة هذه الوعود والتغييرات.
لوحظ أيضا وجود ضعف نوعي في طبيعة البرامج والخدمات التي ستقدمها الخطة الجديدة والتي تعنى بالرفع مباشرة من شخص الطالب وفكره ومهارات الحياة العملية. فلن يتم تقديم التعليم الذي يرتقي بالمهارات الشخصية للطالب، فيستطيع بالتالي تحديد أهدافه وطموحه لخدمة المجتمع بعد التخرج أو تقديم برامج الإرشاد المهني خصوصا للمرحلة الثانوية. بالنسبة للمناهج الجديدة، فسيتم للمرة الثانية تغيير وتطوير مناهج الرياضيات والعلوم واللغة الإنجليزية، مع التغاضي عن ضعف المناهج الخاصة بالعلوم الإنسانية والدينية، والتي تعنى برفع مستوى انتماء الطالب والرقي بفكره وهويته العربية والإسلامية، وقدرته على التعامل برقي مع الأديان والثقافات المختلفة.
بالنسبة لعلاقة وزارة التربية والتعليم، بالتعليم الأهلي، فلم يتم التطرق في البرنامج الجديد إلى أهمية تسهيل إجراءات الاستثمار في إنشاء المدارس وإدارتها دون الخضوع لما تنصه الوزارة من تكاليف مركزية وواجبات خانقه تتدخل حتى في طريقة تقييم المعلم لطلابه وعدد اختباراته. فتح المجال للقطاع الخاص مع الرفع من سقف المرونة سيخدم الوزارة على المدى الطويل، حيث سيمكن الأخيرة من انتقاء البرامج والمناهج التي تناسبها بناء على تجارب التعليم الأهلي الناجحة.
كافة تغييرات البرنامج الجديد ضرورة ملحة تفرضها ظروفنا وواقعنا، وربما تعد مرحلة أولية لإعداد قطاع التعليم إلى مرحلة أخرى تهتم بإعادة هندسة كل ما يخص المدرسة السعودية.
يجب على القائمين على هذا المجال التفكير في حقيقة أن مستوى الإنفاق على التعليم لا يعد مؤشرا على الرفع من مستوى الطلاب ولا يؤثر حتى على درجاتهم في الاختبارات الدولية. العامل الذي يصنع الفرق هو كيفية تفعيل هذه الموارد في تغيير فكر المواطن لينهض بوطنه بشكل أفضل.