مثقفو فرنسا يتهمون ساركوزي بإثارة مشاعر العنصرية بربطه جرائم العنف بالهجرة والمهاجرين. كان هذا هو العنوان الأبرز تقريبا لأخبار نهاية الأسبوع الماضي الأكثر سخونة، فيما يتعلق بالمتصل والمتشابك ثقافياً وسياسياً. وإذا كان الكاتب خالد غزال يرى أنه (لم يعد غريبا أن تنبعث في العالم العربي مكونات ما قبل الدولة، من استعادة للطوائف والعصبيات القبلية والعلاقات العشائرية وأن يحتدم الصراع في ما بينها من أجل اقتسام مؤسسات البلد ولو أدى ذلك إلى الإطاحة بما كان المجتمع قد حققه من تقدم وتحديث ومحاولات لا بأس بها في إعلاء البنى الفكرية في درب تكوين مجتمع مدني). فذلك ليس بعيدا عما يحدث حتى في المجتمعات التي ظلت الأفكار عنها إلى حقبة قريبة أنها تجاوزت المشترك العرقي والهم القومي باتجاه ما هو كوني/ إنساني، غير أن التقارير التي تشير إلى حالة انبعاث للمد الفاشي/ النازي وتتصاعد في عديد دول أوروبا، تجبرنا - بعد أن تصيبنا بالفزع وتغمرنا بالحيرة - على إعادة قلب الصورة في محاولة لتأمل المشهد، والسعي لربطه بتحذيرات عديدة أطلقها مفكرون ومراقبون منذ مطالع التسعينيات الماضية حول أن واحدة من أشرس ملامح العولمة تجليا سيظهرها الانبعاث العنيف لفكرة القومية والهوية الضيقة.
لكن المفارقة باتت تكمن الآن في أن تكون فرنسا بكل ماضيها العريق في تبني قيم المدنية هي المكان الذي تعلو فيه الظاهرة بهذه الصورة، وعلى يد سياسي هو أصلاً جيل أول لمهاجري المجر، مما يثير علامات استفهام حول حضور البعد النفسي/ الشخصي لساركوزي في التعاطي مع هذه القضية.
وإذا كان قرار تهجير أفراد طائفة الروما (الغجر) قد بدأت به فرنسا، فإن بعض المراقبين يرى في هذه البداية محاولة للتعمية، فالمستهدف هم المهاجرون ذوو الأصول الشمال إفريقية بالدرجة الأولى، ثم مهاجرو دول إفريقيا جنوب الصحراء.
مما يعيد للذاكرة وبقوة أطروحات الفرنسي/ اللبناني أمين معلوف التي يبرز منها كتابه المهم (هويات قاتلة) الصادر عام 1999م والذي تساءل فيه بمرارة: (لماذا ينبغي مع أفول هذا القرن، أن يترافق إثبات الذات غالبا مع إنكار الآخر؟ وهل تبقى مجتمعاتنا خاضعة أبدا للتوتر وسورات العنف لمجرد أن الناس المتعايشين معا ليسوا من الدين نفسه أو اللون أو المنبت الثقافي؟).
في تقديري لو أعاد معلوف كتابة أطروحته هذه، الآن بعد مضي أكثر من عقد على كتابته الأولى، لربما دخل في متاهات جمة تشتبك وتعقد الواقع الذي يبدو أحيانا كثيرة عصياً على الفهم والاستيعاب. كأن تتساءل: أحقا ما يحدث هذا الآن وفي فرنسا، بلاد روسو وفولتير وهوجو ورابلييه وموليير؟!.
لكن يبقى المبهج هو موقف مثقفي فرنسا المنطلق من ضمير مثقفين حقيقيين.