تلاشى النمط التقليدي المتعلق بالتربية والتنشئة الاجتماعية للفرد الذي كان يبدأ من الأسرة ووحدتها العائلية، فكان الأولاد يتعلمون في إطارها القيم والعادات والطرق الخاصة بالسلوك منذ مراحل الطفولة، ليكون ذلك داعما للضبط الاجتماعي، بحيث لا يمكن للأبناء التعدي على السلوك السائد أو مخالفة أي مبدأ ثقافي، سواء داخل العائلة أو خارج محيطها، وقد كان الأمر متمثلا في سلطة الأب وقدرته على الإدارة التربوية للأبناء في ظل تمتع الأسرة بالروح الجماعية المتعلقة بالسكن وكسب العيش.

تعرضت الأسرة السعودية لتأثير بالغ في وظيفتها ورسالتها التربوية مما أثر على فاعلية المسؤولية الاجتماعية، وهذا بعد أن نفذت خطط وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وظهر التحول التدريجي إلى الروح الاستقلالية للفرد، وضعف الضبط للنسق العائلي جراء البعد الجغرافي لإقامة الأبناء, إضافة إلى ضعف العلاقات العائلية وعدم مشاركة الأقارب، غير أن الظروف الاقتصادية تفرض على الآباء التغيب عن المنزل لأوقات طويلة من أجل العمل، وتحول مسؤولية التربية على الأم, مما أسهم في انعدام سيطرة الآباء وإشرافهم على السلوك، وبالتالي قلة القيود والحزم.

طرأ التطور في أساليب التربية ووظائفها بعد أن تعددت مصادر التعليم في المجتمع، وساندت الأسرة في تشكيل الطفل وتنشئته اجتماعيا وتعديل سلوكه، ثم أخذ الدور العائلي في التنشئة في التراجع بإلقاء العبء بشكل كبير على المدرسة والتعليم، ومن هنا تأتي المشكلة، في تصدع النسق التربوي، أو غياب أحد أطرافه، وهو الأسرة، بغض النظر عن تأهيل المعلم والعوامل الأخرى, والخطأ السائد هو أن الفشل في نواحي الحياة العامة أصبح يناط بالإخفاق في الدراسة أو بضعف التحصيل الدراسي، وهذا خلط أنتج لدينا إشكاليات ناجمة عن سوء المفاهيم، أعني أن هذا التعامل الاجتماعي منح فرصة للميل نحو السلوكيات والعلاقات المنحرفة، ورأينا الكثير من ظواهر السلوك اللاأخلاقي والعبث بالمدارس في نهاية كل عام كتكسير الأدوات الدراسية وتمزيق الكتب وغيرهما.

على المؤسسات التربوية والتعليمية، أن تعالج هذه الظاهرة، بخفض أوقات الفراغ، وتنويع البرامج، والاهتمام بمستوى جاذبيتها، وزيادة الأنشطة الحرة في المدارس، والتأهيل التربوي لأداء المعلم، الأمر الذي يسهم في احتواء الطلاب والطالبات، وتأهليهم بالشكل اللازم لتنمية المجتمع وخدمته.