من المعروف أن حفلات التخرج في الغالب تكون بعد إكمال الدراسة الجامعية والتخرج من الكلية، أو من الجامعة، ويمثل حفل التخرج في هذه المرحلة نقلة نوعية من كينونة طالب على مقاعد الدراسة يتلقى العلوم، ويتعلم، ويكتسب المهارات المختلفة، إلى فرد جاهز للعمل في مجال تخصـصه، ويتحـمل ما يترتـب على هـذه المهنة، أو الوظيفة من متطلبات، ومسؤوليات، ومهام.
لذلك يكون لهذا الحفل فرحة خاصة، ويعد مرحلة مفصلية بين مرحلة الإعداد ومرحلة العمل، وهنا يمكن أن يحتفل الخريج وأهله وأسرته بهذا الإنجاز بالشكل المناسب، ولكن المبالغة في مثل هذه الفعاليات قد تفقدها أهميتها، وحلاوتها، وقيمتها المعنوية للخريج.
أما في هذه الأيام، فقد تعددت هذه الفعاليات على مستوى خريجي الكليات، أو الجامعات؛ فنجد أنه بعد حفل تخرج الجامعة، أو الكلية يكون هناك حفل آخر لمجموعة من الطلاب من أبناء الشمال، أو الجنوب، أو الشرق، أو الغرب، أو طلاب تخصص معين، أو كلية معينة، وهذه الفعاليات لا أرى أهميتها، أو الحاجة إليها.
ولم يقتصر الأمر على حفلات التخرج في المرحلة الجامعية، بل تعدى ذلك ليصل إلى أن كل مرحلة لها حفل تخرج خاص بها؛ فنجد أن مرحلة الروضة لها حفل تخرج، وحفلة أخرى لطلاب وطالبات التمهيدي، وحفلة تخرج للمرحلة الابتدائية، وأخرى للمرحلة المتوسطة، وحفل تخرج للمرحلة الثانوية.
المشكلة هنا ليست في الحفلات، بل فيما يترتب عليها من كلفة مالية على أسر الطلاب، ومن ضياع وقت في الإعداد، والتجهيز لفعالياتها؛ فمن متطلبات المشاركة في هذه الحفلات ـ خاصة مدارس البنات حكومية، وأهلية ـ شراء فستان، أو أكثر بمواصفات معينة للمشاركة به في فقرات حفلة التخرج، وعباءة تخرج، وفيها يتم التفاخر بشكلها ونقشها، هذا إضافة إلى الورود التي تقدم للخريجة في أثناء التخرج، وأنواع مختلفة من الحلويات، والأكل، والعصائر، والمعجنات، التي ينتهي بها المطاف إلى حاوية النفايات، كما يتم تقديم هدايا من المدارس للخريجات، وهذه الهدايا تحضرها الطالبات، وتقوم المدرسة بتسليمها لهن في أثناء حفل التخرج، وإذا قدمت بعض المدارس هدايا لطالباتها فهي من النوع الرخيص، وغير المكلف، وكل ما سبق يتم دفعه من قبل الأسر، ولا تقوم المدرسة إلا بالتنسيق فقط لمثل هذه الحفلات، كما قد تقوم المدرسة بالتنسيق لشراء الفساتين، وعباءات التخرج بشكل معين مقابل مبالغ مالية تدفعها الأسر، وقد يترتب على ذلك فساد مالي، واختلاسات، ومبالغات في أسعار هذه الملابس.
كما أن حفلات التخرج يتم تنفيذها في قصور، أو استراحات مقابل مبالغ مالية كبيرة؛ لأن المدارس غير مجهزة لمثل هذه الفعاليات، وقد يترتب على مثل هذه الفعاليات الكثير من المشكلات الأخرى غير المادية، فقد ينتج عنها بعض الإصابات في حالة حدوث أي صوت، أو جرس إنذار، أو غير ذلك، مثلما حدث في احتفالية إحدى المدارس في استراحة خاصة في خميس مشيط، بعد حدوث انفجار لبعض الأدوات، أو التجهيزات المستخدمة في الحفل، مما ترتب عليه من هلع، وخوف، وتدافع بين الحاضرات، وسبّب وفاة إحدى الحاضرات نتيجة غياب وسائل السلامة في مثل هذه الفعاليات، كما أن هناك مشكلة أخرى تحدث في مثل هذه الفعاليات، وهي الغيرة بين بعض الطالبات، مما يدفع بعضهن إلى التفنن في الملابس، أو عباءة التخرج، وهذا غير مقبول في هذه المرحلة؛ ففي الجامعات العريقة في العالم يلبس جميع خريجيها، ومسؤوليها من مدير الجامعة، وضيف الحفل، وجميع أعضاء هيئة التدريس لباس الحفل الموحد، وهذا يقضي على ظاهرة التفاخر، والغيرة، والكلفة الزائدة غير الضرورية.
وهنا أرى أن تعدد حفلات التخرج في مراحل التعليم العام غير مناسبة، ولا يترتب عليها إلا إثقال الأسر بمتطلبات التخرج، بدءا من الروضة وانتهاء بالمرحلة الثانوية، وأنا على يقين أن وزارة التربية والتعليم تصدر تعاميما بهذا الخصوص، ومن الضروري أن يكون هناك قرار حاسم يمنع جمع الأموال من الطالبات لصرفها على متطلبات حفلات التخرج، ويمنع هذا النوع من الحفلات التي لم تكن من الأنشطة التعليمية، أو الاجتماعية الهادفة، وقد تستخدم هذه الأموال في جوانب غير ما جمعت من أجله، ويتم منع هذه الحفلات في مدارسنا التي لم نجد منها إلا الخسارة، وتستغل في المدارس الأهلية ـ على وجه الخصوص ـ للدعاية بالدرجة الأولى، والمدرسة التي تخالف ذلك القرار، يتم معاقبة المسؤولين بها، ويتم الحزم في تنفيذ ذلك؛ كي تسلم بناتنا، وتسلم جيوب أولياء الأمور من الاستنزاف غير المبرر.