إشراقة جديدة أضافتها حكومة المملكة على سجل علاقاتها الحميمة باليمن وشعبها التواق لتنمية وشائج القربي وإحالة المشترك على الطبيعة إلى حقول معروشة بالثقة عامرة بالدفء والحيوية والقوة..

لم أسأل أحداً رأيه تجاه قرار الجهات المختصة ذاك أن المواقف الأخوية النبيلة لا يعوزها السؤال..

القرار أعاد الأمور إلى نصابها ولم ير غضاضة من تصويب الإجراءات المتخذة في حق المغتربين اليمنيين المدرجين على قوائم المغادرة النهائية ما عرف لأحقاب نظام البصمة..

سيان قلَّ المستفيدون من القرار أم كثروا فإن هجرة الإنسان وطنه ليست علامة رخاء يُحتفى بها ولا تعد خاصية إنسانية يتعين الحرص عليها أو المطالبة باستدامتها لكنها نتاج عوامل اضطرارية قاهرة ومحصلة مناخ طارد يسترعيان نمطاً آخر من أطوار البحث وإلا صار التركيز على العرض مؤشر رضا مزدوج من قيادتي البلدين على بقاء الجوهر كما هو دون معالجات جادة وحلول موضوعية ناجعة، الأمر الذي لا تتوقف آثاره على معضلات منظورة تثير القلق قدر ما يضع في الحسبان نشوء مهددات أخرى في الطور الجيني غير المنظور.

لعلي أسرفت في تناول مسار العلاقات اليمنية السعودية واليمنية الخليجية، منتهزاً رحابة "الوطن" وأفقها المنفتح على الرأي وكدت لكثرة الطرق أفقد الرجاء من جدوى الكتابة في هذا المضمار لولا الاستجابة الخليجية لتناولة نقدية حول غياب التمثيل الدبلوماسي لمجلس التعاون في اليمن، وفيما عدا ذلك ظل الشعور بانعدام الجدوى يعمل معوله في التثبيط وإخماد بواعث الشجن.

السلطات السعودية أولى بتقدير الإجراءات والتدابير الملائمة بحماية أمنها الداخلي وتطبيق قوانينها النافذة تماماً كما هو حق اليمن عمل الشيء ذاته دون منازع وتلك بدهيات مفروغ منها غير أن أياً من قيادتي البلدين وشعبيهما الشقيقين لا يملك القدرة على تعديل قوانين السماء أو تبديل وشائج الجغرافيا تحقيقاً لكينونة مختلفة..

من الإنصاف الإشادة بالقرار السعودي والمزعج أن تعني حكومة أو تشتغل على تأمين منافٍ اضطرارية لاستيعاب مخرجات فشلها في إشاعة الرفاهية والرغد بين مواطنيها.

من حق الشعوب الحصول على حكم رشيد وحكومات كفؤة وسياسات اقتصادية واجتماعية وتربوية طموحة ومتى تعذر ذلك أصبح اضطرار الناس لمغادرة أوطانهم لجوءاً إنسانياً لا اغتراباً اختيارياً تمليه رغبات التشبّع وجاذبية الوفرة في مكان ما غير مساقط رؤوسهم.

كلما ارتفع منسوب النزوح دل هذا على أوضاع غير طبيعية وساسة غير أسوياء ونظم حكم تفتقر للرشد وتعتاش على فطائر الفوضى.

أما حين ننتزع ظاهرة النزوح المشروع أو الممنوع من سياقها العام أو اجتزائها من جذرها الكليّ فإننا بذلك لا نعين على وقف الأسباب قدر تغذية مصادرها وإضافة المزيد من الحساسيات المتوارية خلف ضلوع الفارين من أغبان الداخل إلى سعير الإجراءات الأمنية في المراكز المتخصصة برصد محاولات التسلل غير المشروع.

وبطبيعة الحال فإن الفارق الكبير بين الهجرة المشروعة والتسلل الممنوع لا يلغي حقيقة كون الأمرين يمتحان من المنابع الطاردة ذاتها.. ومع استمرار مناخات كهذه تجد الأنشطة السيئة وأوكار الجريمة فرصتها لتلويث الضحايا وإثارة الشبهات حول المغلوب على أمرهم لتحل المسألة الأمنية محل الرؤية الاستراتيجية المفترض انتهاجها وصولاً نحو علاقات موضوعية تترجم دور النظم السياسية الحاكمة في إخصاب المصالح المشتركة لشعوب الجزيرة دون الحاجة لوسائط ثانوية ترتهن التحديات العامة لمصالحها الذاتية الصغيرة.

استدعت أحداث عام 2011 وتداعياتها العاصفة تدخل الأشقاء عبر وثيقة حملت اسم (المبادرة الخليجية) لحقتها مصفوفة إجراءات توافق أطراف الصراع وأصدقاء اليمن على تسميتها (الآلية التنفيذية للمبادرة) وبناء عليهما شكلت حكومة وفاق بين ذات القوى المسكونة بعاهات التأزيم والتأزم وأحيل كثير من العثرات على ذمة الحوار الوطني وخلال هذه المحطات اختار الأشقاء حركة الأصابع على مواقف الشريك الواضح الجاد الغيور وبإزاء ذلك صعد الجانب الأممي والدول الصديقة (الراعية) إلى واجهة المسرح ليكون على أبناء الشعب اليمني وقطاعات عريضة من الحالمين بتغيير إيجابي تسنده دول الجوار. التأمل بانكسار شديد في تطلعاتهم مكتوبة بلغة (الخواجة) لتتبارى أطراف الصراع على ترجمتها كل بمستوى إتقانه غير العربية!!

لم يدرك المبادرون الحقيقيون أن جزءاً من ضحايا الانكسار رهن خيارات يائسة ولا أن بعضهم سوف ينضم لطوفان الهجرة الاضطرارية أو التسلل..

أمضى اليمنيون قرابة عام يتحاورون حول مستقبل البلاد وبحث فرقاء الصراع في مجمل المعضلات عدا تلك الناجمة عن صغائرهم المؤذية.

المتحاورون شخصوا عددا من أسباب التخلف التي أدت باليمن إلى ما يشبه العزلة عن محيطها الإقليمي وحينئذ كنا نتوقع من الأشقاء إزاحة ستار الدبلوماسية التقليدية والتقدم خطوة إلى الأمام عبر مكاشفات رسمية تعكس رؤية ومواقف المملكة وشقيقاتها الخليجية تجاه ظواهر سياسية واجتماعية واقتصادية تعوق استقرار وتطور اليمن وتمنع اكتمال الكتلة التاريخية بين دول وشعوب الجزيرة العربية..

كان هذا ما نتمناه إن لم يكن لدواعي العمل المستقبلي في مواجهة التحديات المشتركة فلمصلحة خليجية تكمن في وجود دولة يمنية ضامنة لا تلقي أعباء الفشل على أحد ولا تستغرقها (الرخاوة) وتغرق ساحاتها في معمعة الحروب بالوكالة..

شيء واحد نتمنى معرفته الآن وليس غداً.. هل يقف الأشقاء مع وجود دولة يمنية تكفيهم تبعات ضعفها.. وماذا بوسعهم القيام به لتمكين هذه الدولة من الوقوف على قدميها بغية القضاء على التوترات الداخلية وإخماد بؤر التطرف ونزع السلاح من الأفراد والجماعات وفرض سيادة القانون على مراكز القوى ووضع برامج مجدية تستأصل مشكلات الثأر وزراعة وتداول القات إلخ..

الأشقاء يدركون أن معظم مشكلات اليمن ليست محلية المنشأ لكن.. كما تتضافر جهود العالم في الحرب على الإرهاب يقتضي الحال نسقاً جديداً من الشراكات الحيوية الجادة بين اليمن ودول الخليج يرقى إلى مصاف التحديات المصيرية إعمالاً لهدي النبوة (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) أو كما قال..