نشر أحد الأشخاص الأسبوع الفائت على برنامج "الواتس أب" رسالة جماعية "برودكاست"، كتبت بطريقة ركيكة لغويا وساذجة أخلاقيا، ومليئة بمغالطات وأكاذيب عفنة، زعم ناشرها أن المجتمع الجازاني بأكمله، قد صدم بظهور الأستاذ الشاعر أحمد السيد عطيف، برفقة زوجته السيدة الفاضلة فاطمة عطيف "متبرجة وبكامل زينتها"، على القناة الثقافية السعودية عبر برنامج "المنتدى"، الذي يعده ويقدمه الأستاذ الشاعر أحمد التيهاني، وأنها ـ أي السيدة عطيف ـ لا تمثل المرأة الجازانية..!

من الواضح أننا أمام مجموعة من الإشكالات والمفارقات الفكرية والثقافية، التي تكون ذهنية بعض من الشارع الاجتماعي، وعلى ضوئها يفكر ويقرر ويتحرك بجرأة وتهور أحيانا، على الرغم من كم المتناقضات التي تظهر على أسلوبه وسلوكه، وتكمن أهم تلك الإشكالات في قصور قراءة بعض المفاهيم الأساسية للدين والأخلاق وقيمهما من منظور التعدد، الأمر الذي ينتج ثقافة أحادية مرتبكة، يغلب عليها طابع الانحراف الأخلاقي الإرادي المنبوذ دينيا وعرفيا، فالدين بكليته "فروض وتعاليم" كان ومايزال داعما رئيسا للأخلاق الحسنة، التي تعد بقواعدها الإرشادية ومبادئها المحفزة على التمسك بالممارسة الطيبة، المنطلق الأول للتعامل والتواصل الإنساني الإيجابي لتوطيد العلاقة مع الآخر أيا كان، فيما تظل السلوكيات القذرة متعارضة مع الأخلاقيات العظيمة، وعليه يكون السلوك ترجمة لحجم الوعي بتلك القواعد الإرشادية، إذ إن السلوك السوي يعني تطبيقا ضمنيا صحيحا لمفهوم الأخلاق، وطريقا مفضلة لتعامل كامل المنظومة الاجتماعية فيما بينها، التي يساندها الدين، ويؤكد عليها في صلب فروضه وتعاليمه، وبالمقابل يكون السلوك المنحرف اختراقا فاضحا لقواعد الأخلاق ومفاهيمه، وهو كفيل بسقوط القيم الأخلاقية النبيلة، هذا المأزق في الواقع هو نتيجة حتمية لطريقة فهم بعض الأفراد أو الجماعات بماهية الأخلاق وماهية الدين فكريا وروحيا، ومدى صدقية الإيمان بهما على مستوى التطبيق تحديدا، وهو المعيار والمحك اللذان يمنحانها تصنيفها ودرجتها، وهنا أستحضر ما قال الشاعر، أحمد شوقي "رحمه الله":

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت

فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وحول هذا الموضوع راق لي ما كتبه صديقنا الإعلامي "حسين السويدي" على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، متناولا الأمر من زاوية أعدها قراءة منطقية لنفسية وعقلية ناشر الرسالة وناقلها، قال فيه:

"يظهر ناشر هذا "البرودكاست" في برنامج "واتس أب" أنه يظن بذلك فعل الخير، أو الحض على الالتزام بالدين، ولكننا هنا يجب أن نتوقف للحظة كي نرى كيف اختلطت المفاهيم، وانقلبت القيم رأسا على عقب، وتشوهت، لدى الكثيرين، فهو يدّعي تبرجها، وفي ذات الوقت ينشر الفيديو من البرنامج الذي ظهرت فيه؟! وهنا يكمن التبلد الدعوي، ثم يأتي منافح عن النشر لينتقد التبرج، وهو بحاجة إلى معرفة ماهية التبرج أصلا، ثم يصفنا بعدم الالتزام برأي العلماء، ولا يعلم أنه في لا وعيه يقصي آراء علماء آخرين يرون جواز الكشف، وغير ذلك، فكلٌ ملزمٌ بذويه، فلماذا الحنق على قناعات الآخرين، رغم أن دائرة الفقه تتسع للكشف كما تتسع للتغطية، إضافة إلى كل ذلك فإن المنتقد لا يجد غضاضة في متابعة الفيديو من أوله لآخره، جاهلا بغض البصر، متساهلا الخوض في الأعراض، لا يهم، ما يهمهم فقط، هو إظهار أنهم ملتزمون ومتدينون ولا يرضون بذلك الفعل، الذي يروجونه أساسا.

وغير أولئك، هم "حاملو الأسفار"، الذين ليست لهم مهمة إلا إعادة تدوير الفيديو، زعما أنه سيشهد لهم يوم القيامة ضمن مشاريعهم الدعوية، دون وعي؛ لأنهم يستخدمون الوسائط الاجتماعية في نشر التبرج، أو الخير، عفوا، فقد التبست عليّ الأمور أيضا".

في تعليقه أثار "السويدي" ما قدمت له في الأسطر السابقة، من إشكالات ومتناقضات، تتعلق بضعف مقدرة البعض على التواصل مع مفاهيم وصلب الدين والأخلاق والفضيلة وتطبيقاتها، مما يفضي إلى استسهال إطلاق الأحكام "الدينية" بالقطعيات على مسائل جدلية، دون الاتكاء على مخزون قرائي وثقافي كافِيَين، تمنح القدرة على استيعاب جوانب الفعل وأعماقه ومبرراته، والمستغرب حقا أن يبادر من يحث على عدم تجاوز أهل العلم، إلى تحطيم دعوته تلك في غمضة عين!

ويظل الأمر مرهونا بمدى امتلاكنا للحس الإنساني المتمعن في قول الله تعالى: "وإنك لعلى خلق عظيم"، قبل أن نقدم أنفسنا من خلال مواقف متسرعة، قد تجعلنا محل سخرية وانحطاط.