حين لا يعرف الحاكم إدارة أزمة بلده وإنهائها بتعقل وهدوء، فيستخدم سلاح القمع مطلقا زبانيته وأزلامهم المتعطشون للقتل، ويبدأ التدمير في المدن تباعا، ويستمر الحال أكثر من ثلاث سنوات.. ينهدم خلالها بيتك بقذيفة أو صاروخ، ولا تجد مأوى في مدينتك التي تقصف كل يوم مرات أو يحتلها "الدواعش".. تغادرها لتتشرد مع أسرتك في مخيمات اللاجئين، أو تهاجر إلى دول بعيدة، لتدفع ما ادخرته طوال عمرك لمهرب البشر معرضا حياتك وحياة أفراد أسرتك لخطر الغرق أو القبض عليكم كمهاجرين غير شرعيين.

في بلاد المهجر، تشعر بإنسانيتك التي افتقدتها في وطنك، حيث يعرش الاستبداد، هناك تلقى معاملة لم تتخيلها طوال عيشك تحت الذل والمهانة.. أما المكان الوحيد الذي لا تلقى الاحترام فيه هناك فهو سفارة بلدك.

بعد كل هذا.. يحين موعد الانتخابات الرئاسية، فيرشح الحاكم ذاته الذي دمر كل شيء نفسه لولاية جديدة، وعلى غير العادة يسمح لمرشحين آخرين "من ربعه" بمنافسته، ويجب أن يقتنع الكون كله بأن هذا الرئيس ديموقراطي وأن الدولة التي فقدت مقومات الحياة دولة ديموقراطية.. وما عليك إلا أن تغادر مخيم اللاجئين أو تنسى بحثك عن خبز عيالك أو تعود من مهجرك مع احتمال القبض عليك بتهمة أمنية ما.. لتمضي إلى مراكز الاقتراع، وتدلي بصوتك منتخبا الرئيس "إياه" في صورة تمثل "قمة الديموقراطية" في الكرة الأرضية.

أي عقلية هذه التي تقبل بالاستمرار في الحكم بعد أن فعل صاحبها ما فعله بوطن كان جميلا، وبات بأفعاله مثالا للفوضى والدمار والعبث والإجرام والتنكيل بالشعب؟ أي رئيس هذا الذي يريد أن يحكم بلدا غادره ملايين البشر والباقي على الطريق وتحول إلى كومة هائلة من الأحجار؟

أي عقل هذا الذي تمسك بالحكم فوق مئات الألوف من الجثث.. من أجل ألا تزعل "خالته" التي ارتكب ابنها المسؤول الأمني جريمة بحق أطفال من الشعب؟ أما كان للطاغية أن يحاسب ابن خالته ولو شكليا بدل أن يحاسب شعبا كاملا لأنه لم يقبل إهانة ابن الخالة؟

أي ديموقراطية تلك التي يقرر فيها الطاغية البقاء على سدة الحكم مهما حدث.. حتى وإن رفضه الشعب والعالم، وأيا كانت عواقب بقائه، حتى ولو كانت مغادرته تعني بداية الحل لأزمة بلده؟

قمة الديموقراطية في عرف الطغاة، تختصرها عبارة صغيرة يوجهها كل منهم لشعبه، مفادها "أحكمكم أو أقتلكم"، ويكفي أنه منح الناس حرية الاختيار بين أن يرزحوا تحت حكمه أو يموتوا!.