دار بيني وبين صديقي هذا الحوار:
الصديق: لاحظت في كثير من مقالاتك أنك تجلد ذاتك وذواتنا، خاصة في حال مقارنتنا مع غيرنا، فهل هي عقدة "الآخر" المتمدن والحداثي الذي رغم كل شيء فإنه لا يخلو مثلنا من العيوب والمآخذ؟!
أنا: معك حق، لكنني في مقالاتي أتعمد رصد بعض أخطائنا وبعض مزايا الآخر وأسلط عليها الضوء من باب "انظر حولك".
الصديق: لكنك لا ترى فيهم إلا المزايا!
أنا: بل قل إنني لا أنقل إلا المزايا عندهم، التي نفتقدها وأترك لغيري ترصد أخطائهم وتضخيمها! على أنني في المجمل أضع المجهر على أصول التمدن وطرائق الأخذ بأسباب الحضارة التي كانوا ولا زالوا أربابها ومبدعيها وصانعيها، إذ علينا أن نطبق مشروع الحضارة دون انتقاء إلا ما يتعارض طبعا مع ثوابتنا الدينية.
الصديق: وهل نحن لا نفعل ما تقول؟
أنا: على الإطلاق، فنحن فقط نأخذ الهيكل والمظهر، إذ نبني الناطحات ونؤسس شبكات الطرق، ونستورد أحدث وأغلى السيارات لكننا لا نحسن ـ مع ذلك ـ التعامل مع هذه المستجدات.
الصديق: كيف؟
أنا: سأقصر كلامي على الطرق واستخداماتها وسأطرح عليك مجموعة من الأسئلة الاستنكارية ولا أنتظر منك إجابتها لأنها معروفة لدي.
الصديق: طيب، تفضل.
أنا: هل نحن نرعى أنظمة المرور واستخدامات الطرق وهل نحترمها؟ وهل نقود السيارة وفق الحارات المقسمة في الطريق، أم أننا نقودها كما نفعل في الصحراء التي لا يحدها نظام ولا يقيدها رصيف، هل سبق أن رأيت قيادة شوارع تشبه ما يحدث عندنا؟ هل يوجد تفلت مروري كما هو عندنا؟ وهل يوجد تهور في التعامل مع هذه الكتل الحديدية كما نفعل؟ وهل يحدث اختراق للأنظمة واكتساح للهيبة المرورية مثلما نراه في شوراعنا؟.
صديقي:...... !!
أنا: في الشوارع لا يحكمنا قانون ولا يردعنا ساهر ولا نرعى المخاطر. قرأت في أحد الأخبار أنه تم رصد أسباب أكثر الحوادث المرورية الشنيعة في إحدى المدن الأجنبية وأرجعوا ذلك إلى تعاطي الكحول، وهذا شأن طبيعي لمن يقود وهو فاقد عقله أو بعض عقله لكن ماذا نقول في "الحرب الأهلية " التي تشتعل في شوارعنا وأرقام الوفيات التي تتصاعد وكثرة الشنائع التي تقع أمام عينك في كل شارع وسكة.
الصديق: معك حق.
أنا: إذا كانت الأمور تؤخذ بالقياس فإن كل الأوضاع القيادية والفوضى المرورية في شوارعنا تعدّ حالة "غير طبيعية" واختلالا خارج نطاق السلوك الطبيعي.
الصديق: يعني "وش تبغى" تقول؟
أبغى أقول، إن عدم تطبيق النظام وهتكه من قبل الجميع دون اكتراث حتى مع وجود رجل المرور الذي لا حول له ولا قوة يشير إلى أن الشق أوسع من الرقعة.
يا سيدي شوارعنا مليئة بالسكارى، الذين لا يشربون ولكنهم في قيادتهم لمركباتهم يتصرفون بما لا يليق بعاقل راشد، شوارعنا تكتظ بالمخالفات، والسرعة والتجاوز، والانتقال من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وعكس الطريق، ولا يكتفي السائقون بحارات الشارع، وإنما يعمد بعضهم إلى ارتقاء الأرصفة أو التحول من جهة إلى أخرى دون إشعار الآخرين، ويتساوى في هذه المخالفات وهذه التجاوزات كل الناس وكل الطبقات بكل المؤهلات وكل المناصب.
في شوارعنا كأن الكل سكارى. الموظف والطالب ورجل الأعمال والكبير والصغير يتساوى في ذلك المتحضر والتقليدي والليبرالي والمطوع، والحال كذلك مع جميع الفئات. جميعهم في أنماط القيادة المرورية سكارى وما هم بسكارى.