فجر الادعاء في محاكمة قتلة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق مفاجأة مدوية، عندما أعلن اختفاء أشرطة التسجيل التي التقطتها كاميرات المراقبة المثبتة في نفق سليمان فرنجية ببيروت، والتي اعتبرت محطة حاسمة لتمكين التحقيق من الحصول على صورة قائد الشاحنة. وهو ما اعتبره الادعاء "فضيحة جديدة تؤكد وجود أياد تعبث في الخفاء لمنع تحقق العدالة".
وما زالت المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الحريري تجذب الأنظار، مع بدء جلساتها ودخولها في حيز التنفيذ الفعلي، عبر الاستماع إلى الشهود، ومشاهدة الأدلة. إضافة إلى بثها مباشرة على الهواء عبر شاشات التلفزة، مما يعني أنها تسير في خطوات عملية لإثبات تهمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق على المتهمين الأربعة من حزب الله.
وكان القاضي ديفيد راي قد استمع إلى إفادات الشهود، قبيل تعليق الجلسات أول من أمس، حيث كان لافتاً ما قاله أحد الشهود في إفادته الخطية المؤرخة بتاريخ سبتمبر 2011، بأنه سمع انفجارين أثناء وجوده في مبنى قريب من موقع الانفجار، وليس انفجاراً واحداً. موضحاً أن "دوي الانفجار الأول كان أقوى من الثاني. وكانت هذه الفرضية قد طرحت في الأيام الأولى لجريمة الاغتيال.
ورداً على موضوع التضارب في المعلومات وتحديدا حول أرقام الهواتف وشبكة الاتصالات التي اعتبرها فريق الثامن من آذار غير صحيحة، يقول عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل مصطفى علوش "سيرد المحامون على موضوع نقص الأدلة. لكن هناك جزء من الإعلام اللبناني يعادي المحكمة والعدالة كجزء من جهوده للدفاع عن حزب الله. من هنا يجب أن ننتظر انتهاء الادعاء من بناء القضية على ثوابت منطقية واضحة ورد الدفاع عليها، مما يعني أن مسار المحاكمة طويل".
ويتساءل علوش عن كيفية بناء ادعاء متماسك في ظل تبخر الأدلة، ويرجع ذلك إلى أن القضية برمتها بنيت على وقائع اعتمدها القضاء اللبناني، بعد اعتقاله لمشتبهين، وكشفه شبكة الاتصالات والمعلومات. كما اتضح أن بعض المتهمين ترددوا على مدى عدة أشهر في مناطق اعتاد رفيق الحريري الوجود فيها.
وكانت المحكمة قد أصدرت قرارين شفهيين. يقضى القرار الأول بالموافقة على الاستماع إلى 9 شهود عبر نظام الدائرة التلفزيونية المغلقة، رغم اعتراض الفرق المكلفة بالدفاع عن حقوق المتهمين مصطفى بدرالدين، وحسن عنيسي وسليم عياش. وقال القاضي راي إنه مقتنع بأن الإدلاء بهذه الشهادات لن يخل بحقوق المتهمين، وإن قراره اتخذ بعد النظر إلى طبيعة الشهادات والطابع العملي للاستماع إلى هؤلاء، بما لا يؤثر على سير المحاكمة. ولفت إلى أنه يمكن للدفاع القيام بالاستجواب المضاد.
في هذا السياق تطرح تساؤلات حول كيفية تحقيق العدالة في ظل محاكمة المتهمين غيابياً، مما يعني وضع المحكمة والحكم القضائي الصادر عنها في سياق رمزي غير قابل للتنفيذ بسبب رفض حزب الله تسليم المتهمين الأربعة. وفي ذلك يقول علوش "ليس الهدف من العدالة الانتقام من أشخاص معينين أو الزج بهم في السجون لمدة 25 عاماً بسبب قتل رفيق الحريري والعشرات معه وضرب بلد بأكمله! الهدف من المحاكمة كشف المجرمين بالوقائع. ولن يغير حبسهم أو إعدامهم من الواقع في شيء، لأن المشكلة تكمن في إدارة العملية السياسية لهذه المنظومة. لذلك يجب كشف القتلة وتعريتهم، بعد أن ظهروا أمام الناس في ثوب القداسة. وهو ما سيغير الموقف تجاههم، مما يعني تغيير المسار السياسي الذي حكم الاغتيالات في لبنان".