طبعا كي تكون التربية مؤثرة، يجب أن نفكر أولا بأهم عنصر في العملية التربوية؛ المعلم.. ويظهر هذا الاهتمام من أول خطوة، ألا وهي عملية الاختيار،

في كليات التربية يجب ألا يتم تسجيل أي متقدم إلا بعد سلسلة من الاختبارات، تعطي فكرة عمن يمتلك الشخصية القيادية، الراغب فعلا في هذا التخصص، ليس فقط من أجل شهادة أو وظيفة، ولكن لطموح في إجراء تغيير في المجال التربوي من خلال إسهاماته، والتأكد من أنه خلال فترة تأهليه سوف يقدم له أفضل وأحدث المعلومات من قبل هيئة أكاديمية عالية المستوى، وتهيئة بيئة مجهزة بكل ما يحتاجه من مصادر تعلم وتكنلوجيا وخدمات مساندة، ولا ينتهي الأمر هنا، بل لا يتم تثبيته في الوظيفة بعد التخرج، إلا بعد قضاء ثلاث سنوات كمساعد معلم، وهذه المرحلة هامة في تأهيل المعلم، وتحتاج إلى مقالة أخرى توضح الإيجابيات من هكذا خطوة.

المهم هنا أنه بعد التثبيت لا يكون بمفرده، بل ضمن فريق عمل مساند من المرشد الطلابي والمرشد الاجتماعي وخبير التربية الخاصة أو صعوبات التعلم، إضافة إلى المعلم المتدرب الذي يلازمه ويعاونه على التركيز أكثر على الفروق الفردية، والإبداع في تنويع طرق التدريس والأنشطة، بحيث لا تشكل ضغطا عليه.

وعند ذكر الضغوط يجب ألا نشغل المعلم بأعمال إدارية لتوفير العدد من الجهاز الإداري، فعمله الأساس هو التدريس والتطوير والبناء لمهاراته ومعلوماته، من خلال المشاركة في ورشات العمل، وإجراء الأبحاث، والمشاركة في مؤتمرات التخصص محليا وإقليميا وحتى عالميا إن أمكن، ولا ننسى أن الترقية لا تكون من خلال تحويله إلى مجال آخر كمساعد مدير أو مدير؛ لأننا بذلك نخسر خبرة وطاقة فاعلة، بل من خلال وضع سلم درجات بمميزات وحقوق.

خطوة ليس فقط تقوي من مركزه داخل حدود المدرسة بل في المجتمع أيضا، سردت بعضا وليس كل ما يمكن أن يقدم للمعلم.. قلب العملية التربوية.

والآن، لن أتحدث عن المناهج والبيئة التعليمية؛ لأنني سبق وتحدثت عنهما في مقالات سابقة، اليوم سأتحدث عن تربية الطالب، أي العمل على بنائه عقلا وجسدا وروحا، فإن كان لدينا المعلم الكفء، وجب علينا أن ندعم هذا المعلم بقوانين تسهم في إدراة صفية تعيد للمعلم السلطة، ولكن لا تتجنى على الطالب أو تحرمه من حقوقه، كيف؟

اليوم، نجد أن قوانين الثواب والعقاب التي تتغير كل حين وحين، قد تراكمت حتى حرمت المعلم من هيبته، والطالب من حقه في التربية الصحيحة.. نعم منع المعلم من طرد الطالب خارج قاعة التدريس، ولكن وجوده داخل الفصل إن لم يتم تعديل السلوك سيكون ظلما له ولبقية الطلبة أيضا، ولكن نجد أن عملية فصل الطالب مازالت تستخدم في الكثير من المدارس!.

لم لا يكون هنالك مجلس منتخب للطلبة، يتم فيه مناقشة المخالفات التي يقوم بها الطالب، ويتم إصدار العقاب المناسب، الذي وضعت المدرسة حدوده، مثل رزمة من الأعمال داخل وخارج المدرسة يقوم بها الطالب؟، طبعا مدتها ونوعيتها حسبما قام به الطالب من مخالفة، وأن يقوم الطالب بإجراء اتصال من غرفة المرشد الاجتماعي وأمامه، لولي أمره يخبره عن المخالفة التي قام بها، ونوع العقاب المتوقع من جراء ما قام به، قد يعترض البعض، ولكن سنفاجأ بأن الكثير لن يرضيه الأمر وسيدعم المدرسة، ثم إن الطالب لن يكون لديه فرصة بأن يذهب إلى المنزل ويؤلف قصة أخرى عما جرى أصلا في الفصل، ونقطة أخرى وهامة، بعد أن يقوم الطالب بالعمل المطلوب منه، تُمحى الحادثة من سجله المدرسي، ويصبح مثله مثل بقية الطلاب قابلا للترشيح لبنود الثواب، والأهم أن اختيار الأعمال ليس فقط لتعريفه بماهية تحمل مسؤولية قرارات خاطئة اتخذها، ولكن تنمي عنده قيما لن يشعر بها إلا بعد أن يمر بخبرات معينة.

إن مشاركة الطلاب والأهالي ـ إن أمكن ـ في وضع قوائم وأنواع العقاب من أعمال لن تتم في ليلة وضحاها، وقد تمر في الكثير من التعديلات، ولكن متى استقرت تصبح عقدا يوقع عليه جميع المعنيين من منسوبي المدرسة، وكل مدرسة لها بيئة مختلفة عن الأخرى. وعليه، فإن مجالات الأعمال قد تكون داخل أو خارج أسوار المدرسة وهذا أيضا يعتمد على قوة ترابط المجتمع المحلي مع المدرسة، والاستعداد للمشاركة في العملية التربوية، فأولا وأخيرا المنتج هو منهم وإليهم.

كل ما ذكرت مجرد أفكار، وقد يكون لدى غيري ما هو أفضل، بل أنا متأكدة من أن لدى أولياء الأمور والطلبة أفكارا إبداعية في التعامل مع قضية الثواب والعقاب، ولكن كيف تصلنا إن لم نفتح لهم المجال في المشاركة والعطاء؟!

وأخيرا، علينا أن نتذكر بألا نجعل من العقاب انتقاما بل بناء وإصلاحا، تماما مثل حرصنا على أن نجعل الثواب عملية مبنية على قوانين وثوابت، تضمن حق كل طالب مبدع فكريا أو مهاريا أو فنيا أو رياضيا أو أي مجال، المهم ألا يحصر ضمن قلة ويترك الباقي.

فكل طالب لديه موهبة، وكل طالب قادر على الإبداع في مجال معين، المهم المساواة والتقدير، وبعدها نحول المدرسة إلى خلية إبداعية قائمة على مجتمع متعاون يعرف ما له وما عليه.