احتفل الخليجيون هذا الأسبوع بمرور "33" عاما على إنشاء مجلس التعاون، الذي حقق نجاحا فاق التوقعات في مسيرته. وظلت دوله واحة من السلام والاستقرار والرخاء، في منطقة تعج بالصراع والتدهور السياسي والاقتصادي.
في 25 مايو 1981، في أبوظبي، أقر قادة المجلس الجديد نظامه الأساسي، محددين أهدافه الأساسية بـ"تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها"، و"تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها"، و"وضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين".
توفي معظم القادة التاريخيين الذين أسسوا المجلس، ولكن حلم الوحدة الذي أكد عليه النظام الأساسي ترسخ في عقول وقلوب الخليجيين.
كانت معظم دول المجلس وقتها حديثة عهد بالاستقلال، لم يكن لديها سوى الجزء اليسير من مؤسسات وأدوات الدولة الحديثة، ولم يتجاوز سكان الدول الست "14" مليونا، منهم تسعة ملايين فقط من المواطنين. وعلى الرغم من تملكها نصف احتياطي العالم من النفط، كانت اقتصاداتها بسيطة متذبذبة النمو، لم يتجاوز حجمها الكلي 200 مليار دولار. وكدول حديثة النمو، كانت مؤشرات التنمية البشرية فيها أقل مما توحي به ثرواتها المالية.
انطلقت رؤية المؤسسين من عزمهم على ترجمة إنجازاتهم السياسية في بناء الدولة الحديثة، والتخلص من الحماية البريطانية، وانتزاع القرار الاقتصادي من شركات النفط الأجنبية، وتدفق الثروات الناتج عن ذلك، إلى قوة استراتيجية موحدة ودائمة للحفاظ على الأمن والسلام والاستقرار، وتمكين مواطنيهم من التمتع بثمار ذلك التكامل.
وفي طفرة تلك الأيام لم يقتصر هَمُّ المواطن العادي على تحسين أوضاعه الاقتصادية، بل تطلع إلى استعادة وحدة المنطقة، بعد قرون من السيطرة الأجنبية. فالترابط بين مواطني دول المجلس يفوق الترابط بين مواطني التجمعات الأخرى "مثل الاتحاد الأوربي"، في التاريخ المشترك، والعلاقات الأسرية والقبلية، والثقافة والتقاليد، إضافة إلى الدين واللغة. ولكنهم افتقدوا المؤسسات الرسمية الضرورية لتحويل ذلك الموروث المشترك إلى وحدة اقتصادية واستراتيجية.
ولذلك، جاء المجلس لسد تلك الثغرة. وهناك الكثير مما قام به المجلس مما يستحق الاحتفال هذا الأسبوع. ففي المجال الاقتصادي، انتقل بخطوات تدريجية من منطقة التجارة الحرة في 1983، إلى الاتحاد الجمركي في 2003، إلى السوق المشتركة في 2008. وتضاعفت التجارة بين دوله نحو 40 ضعفا خلال عمر المجلس، وتضاعفت الاستثمارات المشتركة مرات كثيرة.
وفي المجال العسكري، اتخذ قادة المجلس قرارا بإنشاء قيادة عسكرية موحدة، تبني على نجاح القوات البرية "درع الجزيرة"، والتنسيق الوثيق بين القوات الجوية والبحرية للدول الأعضاء.
وتبنى المجلس عشرات القرارات والقوانين الموحدة، وأسس منظومة من المؤسسات لتنسيق جهود دوله في التعليم، والصحة، والعمل، والتنمية الاجتماعية، والبيئة وغيرها.
ومع هذه الجهود الملموسة، يشتكي معظم مواطني المجلس من بطء مسيرة التكامل، ومن الفجوة التي تفصل بين الوعود والواقع. وأكثر ما يُحبطهم التقدم البطيء نحو الوحدة، مع أنها الهدف المعلن للمجلس منذ إنشائه.
ولهذا أحيت آمالهم دعوة خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في قمة الرياض، في ديسمبر 2011، إلى "تجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد لتشكل دول المجلس كيانا واحدا يحقق الخير ويدفع الشر، استجابة إلى تطلعات مواطني دول المجلس ولمواجهة التحديات التي تواجهها".
ونرى في البيان الذي صدر في ختام قمة الرياض، إشارة مباشرة إلى نص المادة الرابعة من النظام الأساسي المتعلق بالوحدة، مما يوضح أن موطن النقاش لم يكن المبدأ المتفق عليه منذ ثلاثين عاما، بل الخطوات العملية التي يمكن أن يتخذها "الاتحاد" المقترح لتحقيق ذلك المبدأ.
وشكل القادة لذلك هيئة متخصصة من 18 عضوا، ثلاثة من كل دولة، توصلت بعد أشهر إلى تصور مشترك لشكل الاتحاد ومؤسساته وأهدافه وآلياته. واستند التصور إلى النظام الأساسي لمجلس التعاون، ورؤى الدول الأعضاء التي قدمت على مدى العقود الماضية، والتجربة الثرية المتراكمة خلال مسيرة المجلس، وإسهامات الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى والمواطنين والمسؤولين والخبراء في دول المجلس، إضافة إلى دراسة التجارب التكاملية الناجحة، خاصة تجربة الاتحاد الأوروبي.
وبناء على ذلك التصور، وُضع مشروع نظام أساسي للاتحاد الخليجي العربي، يتضمن التعديلات اللازمة للانتقال من الوضع الحالي إلى الاتحاد، مؤكدا على سيادة الدول الأعضاء، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. ويحدد النظام أهداف الاتحاد وآليات عمله بصورة واضحة ودقيقة، بما في ذلك آلية اتخاذ القرار، التي تتطلب حاليا الإجماع الذي قد لا يكون متوافرا أو ضروريا في كثير من القضايا الاقتصادية والتنموية.
ويراجع النظام آلية عمل هيئات الاتحاد لتفادي التأخير والروتين، اللذين طالما كانا حجر عثرة لتحقيق الإنجازات. فمؤسسات مجلس التعاون حاليا صغيرة محدودة الصلاحيات، بمنزلة سكرتارية لمئات اللجان المكلفة بدراسة القضايا المختلفة، صغيرة كانت أم كبيرة. وخلال عمر المجلس، تشكلت آلاف اللجان، وعُقدت عشرات الآلاف من الاجتماعات، ولكن عددها لا ينعكس دائما بصفة إيجابية على مسيرة المجلس؛ لأن أي لجنة تجتمع لساعات محدودة خلال العام قلما تستطيع البت في موضوع معقد في جلسة أو جلستين.
ولذلك، فإن النظام المقترح للاتحاد يعتمد بصفة أساسية على هيئات متفرغة ومتخصصة، تُدار بشكل مهني احترافي، تحت إشراف ممثلين من الدول الأعضاء، يعملون بصفة دائمة ضمن هيئات الاتحاد، وفق جداول زمنية محددة وخطوط واضحة للمسؤولية. ويتيح النظام المقترح للدول والمواطنين متابعة عمل هيئات الاتحاد ومساءلتها لدى تقصيرها.
ويسعى الاتحاد لمعالجة آليات التنفيذ، عن طريق تشكيل هيئة قضائية؛ للتأكد من تطبيق قرارات الاتحاد على أرض الواقع بصورة سريعة، دقيقة ومتناسقة بين الدول الأعضاء.
وقد لاقى مشروع النظام الأساسي للاتحاد الخليجي العربي توافقا كبيرا، على المستويين الفني والقانوني، وينتظر اتخاذ القرار السياسي وتحديد التوقيت المناسب لإعلانه.