غياب التنسيق بين الجهات الخدمية معضلة قديمة مازالت تعاني منها معظم مناطق المملكة، على الرغم من طرحها للنقاش مراراً، واقتراح الحلول المختلفة، وإنشاء لجان التنسيق؛ إلا أن القضية ما زالت تراوح في مكانها، متسببة في هدر مالي كبير، وإرباك للمشهد التنموي.

تبوك تكشف القضية


كانت الصورة واضحة في منطقة تبوك، كنموذج لما يحدث في المناطق الأخرى، إذ باتت المنطقة تدور في حلقة مفرغة من العمل، على الرغم من كونها تحتل مرتبة متقدمة بين مناطق المملكة تنمويا، وتحظى بنصيب وافر من المشاريع الخدمية.

في 28 أبريل الماضي، كشف أمين منطقة تبوك المهندس عبدالهادي العمري لـ"الوطن" أن 70% من شوارع تبوك تالفة، مرجعاً أسباب ذلك، إلى تنفيذ العديد من الحفريات لتمديد مختلف خطوط الخدمات من قبل الجهات الحكومية خلال السنوات السابقة، إضافة إلى قدم تلك الطبقات في بعض الشوارع.

المهندس العمري، الذي لم يكشف بشكل صريح الجهات المتسببة بتلف الشوارع؛ أكد أن الأمانة قامت بعمل استراتيجية لتصنيف حالة الطرق والشوارع بالمدينة، خلصت إلى أن إعادة تأهيل تلك الطرق والشوارع سيكلف نحو 240 مليون ريال، لافتا إلى أنه نفذ من تلك الاستراتيجية حوالي 50 مليون ريال، بمعدل إنجاز 3 ملايين شهريا، مشيرا إلى أنه تم اعتماد مبلغ 79 مليون ريال لصيانة الطرق والأرصفة من ميزانية العام المالي الحالي.

جولات "الوطن" الميدانية كشفت أن معظم الأضرار التي لحقت بالشوارع كانت نتيجة لتمديدات "المياه"، وتوجهت إليها بعدة استفسارات حول سوء تنفيذ تلك المشاريع، وتسببها المباشر في إتلاف طبقات الإسفلت وتشويه الشوارع؛ ليأتي رد إدارة المياه بتبوك، عبر تقرير نشرته "الوطن" في 6 يناير الماضي، متضمناً اتهامات صريحة لأمانة تبوك بالمسؤولية عن ذلك.

وأكدت إدارة المياه أن الأمانة هي الجهة المشرفة على أعمال الردم والسفلتة لجميع خدمات المياه والصرف الصحي، مشيرة إلى أنه لا يتم استلام الأعمال بشكل كامل من قبل مديرية المياه إلا بعد الحصول على نماذج الاختبارات المعملية والحقلية لطبقات الردم والإسفلت من مختبر المواد المعتمد من قبل الأمانة.

وبين مدير عام الإدارة المهندس صالح الشراري، أن الإجراءات المتخذة من قبل مديرية المياه هي عدم قبول أي أعمال دون إرفاق جميع نماذج الاختبارات التي تم إجراؤها على المواد المستخدمة لكل قطاع على حدة، من مختبر المواد المعتمد من الأمانة.

الوزارة "تتدخل" للتوضيح


لم تمر اتهامات إدارة مياه تبوك للأمانة دون تعقيب مطول من قبل وزارة الشؤون البلدية والقروية، حيث كشفت إدارة العلاقات العامة بالوزارة، في خطاب تلقته "الوطن" في 22 يناير الماضي؛ أن "معظم الشوارع التي تظهر بها عيوب أو حفر هي شوارع مسفلتة وتعاني من ضعف وتلف بالطبقات الإسفلتية والترابية لعدة أسباب من أهمها قيام العديد من الجهات الخدمية بتنفيذ مختلف أنواع خطوط الخدمات (مياه، صرف صحي، كهرباء، هاتف) بالشوارع بعد أن تتم سفلتتها من قبل الأمانة".

وأكدت الوزارة "أن الإشراف على تنفيذ طبقات الردم الترابية والإسفلت وإعادة الوضع لما كان عليه طبقاً للمواصفات الفنية لكافة أنواع خطوط الخدمات يقع على عاتق ومسؤولية الجهة المالكة والمنفذة لتلك الخطوط، التي ينبغي عليها إلزام مقاوليها باستخدام المواد المناسبة والدمك طبقاً للمواصفات الخاصة بتمديد خطوط الخدمات".

مشاريع "المياه" تدمر الشوارع


وكشفت وزارة الشؤون البلدية أن إدارة المياه بتبوك تجاهلت ملاحظات الأمانة وقامت بالاستلام الابتدائي والنهائي لمشاريعها وصرف مستحقات المقاولين دون ربط ذلك بالحصول على إخلاء طرف من الأمانة، وعدم إلزام المقاولين بمعالجة وإنها ملاحظات الأمانة، مما أسفر عن إتلاف تلك الشوارع.

وقالت الوزارة "إن عدم قيام المديرية العامة للمياه بتبوك بربط خطوط وتوصيلات الصرف الصحي المنفذة داخل أحياء المصيف والقادسية بالخطوط الرئيسة أدى لتلف وتمدير معظم شوارع تلك الأحياء نتيجة لطفح المياه الآتية من المنهولات وتجمعها بالشوارع، إضافة لوجود تسرب للمياه من الخطوط والمنهولات أدى لحدوث هبوطات بإسفلت بعض الخطوط وحول المناهل، ولا تزال المشكلة قائمة حتى تاريخه".

محاولات "تنسيق" العمل


أمام هذه القضية سعت إمارة منطقة تبوك لمعالجة المشكلة عبر تنسيق العمل بين الجهات الخدمية، من خلال لجنة عليا لتنسيق ومتابعة المشاريع، تعقد اجتماعات دورية مستمرة لذلك، حيث أكد أمير منطقة تبوك -رئيس اللجنة العليا لتنسيق ومتابعة المشاريع- الأمير فهد بن سلطان؛ على التنسيق الثنائي بين الجهات الخدمية لإيجاد آلية تضمن التأسيس لجميع الخدمات في الطرق قبل سفلتتها، وذلك لتلافي عمليات الحفر.

كما اضطرت الأمانة بالتدخل جزئياً في الأمر وذلك لمحاولة ضبط نوعية وجودة المواد الترابية للطبقات الأخيرة والتحقق من تنفيذ مشاريع تمديدات الخدمات بشكل فني عبر إشراك المختبر الاستثماري التابع للأمانة، وذلك منذ 3 أعوام، مما أدى لتحسن نسبي بمستوى جودة تنفيذ الأعمال، والتقليل من الهبوطات والتشوهات بالشوارع في الفترة الأخيرة.

أسباب استمرار "الهدر"


إضافة إلى ما سبق ذكره، أكدت وزارة الشؤون البلدية أن مساهمة الأمانة مؤخرا بالمشاركة في ضبط جودة إعادة سفلتة الطرق بعد تمديد الخدمات لم تؤد لمعالجة تلف الشوارع بشكل كامل بسبب أن الكثير من خطوط الخدمات منفذة قبل تدخل الأمانة، كما أن مساهمة الأمانة لضبط جودة الطبقات الترابية لا تزيد عن عمق 60 سم، وبشكل فني فقط، ولا تتابع تنفيذ الطبقات الأخرى التي تصل أحياناً لعدة أمتار، كما هو الحال في خطوط الصرف الصحي وخطوط المياه الرئيسة، التي غالبا ما يتم ردمها على طبقة واحدة دون التزام بتنفيذها على طبقات مع الدمك.

وأكدت الوزارة حرص الأمانة على تأهيل كافة الشوارع التالفة، وتبذل في سبيل تحقيق ذلك الكثير من الجهد والمال؛ إلا أن عدم تعاون بعض الجهات الخدمية وضع الأمانة بين خيارين: أولهما رفض إعطاء تصاريح الحفر وبالتالي إيقاف تأمين الخدمات للمواطنين من أجل المحافظة على الشوارع. وثانيهما السماح بتنفيذ الحفريات وإيصال الخدمات مقابل تحمل تبعات التلف والضرر المحتمل الذي سيلحق بالشوارع نتيجة الحفريات".