يكرر الناس كثيراً في مثل هذه الأيام السعيدة بيت شعرٍ شهير للمتني هو؛"عيدٌ بأية حال عدت يا عيد
بما مضى أم لأمرٍ فيك تجديد"، والمتنبي ـ كما تذكر الكتب المتخصصة ـ يعد واحداً من أعظم شعراء العرب، وأكثرهم تمكنا من اللغة العربية، ومن أعلمهم بقواعدها ومفرداتها، وأحد مفاخر الأدب العربي. يقولون عنه إنه شاعرٌ أناني، وإنه حريصٌ على جمع المال، وإن في شعره نبرة تشاؤم واضحة ـ 326 قصيدة ـ . ولد شاعرنا الفذ في الكوفة، وعاش في حلب، ثم فارقها إلى مصر بسبب ما صنعه الواشون بينه وبين صديقه (سيف الدولة الحمداني). وفي مصر التصق بـ(كافور الإخشيدي)، ولم يتركه الوشاة أيضا، مما دفعه للفرار منها في ليلة (عيد) الأضحى، ناظما فيها أبياته الشهيرة، متجها إلى الكوفة ثم إلى غيرها، إلى أن قُتل وهو في طريق العودة إلى مسقط رأسه.
(عيدٌ بأية حال عدت يا عيد...) بيت يردده أغلبية الأفراد، يصورون به حالة الملل والرتابة في عيد هذه الأيام، وتراجع الفرح به. وهذا مُشاهدٌ بشكل واضح في المعايدات القصيرة بين الناس، وزياراتهم المقتضبة، التي لا تحقّق التواصل المطلوب، لا سيما أن قائمة الزيارات تضم أهل الإنسان، وأصهاره، وأصدقاء والديه، وأساتذته، وجيرانه، وأصحابه وغيرهم ممن تجب عليه مجاملتهم. وليت الأقارب يحيون عادة التجمع في بيت كبيرهم أو بالتناوب فيما بينهم، فيوفرون وقتا للأباعد.
العيد فرصةٌ للفرح والسرور، كما يروي ذلك الإمام البيهقي والإمام ابن ماجة عن سيدنا عياض الأشعري ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه شهد عيداَ بالأنبار فقال : مالي لا أراكم تقلسون؟ كانوا في زمان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفعلونه. قال يوسف بن عدي: التقليس أن تقعد الجواري والصبيان على أفواه الطرق يلعبون بالطبل وغير ذلك. والقصة ذكرها ابن عساكر في تاريخه المعروف ب(تاريخ دمشق).
الفرح بالعيد مطلوب، ولكنه يحتاج إلى مسببات، والسرور به مرغوب، وهو كذلك يحتاج إلى موجبات ومن هذه المسببات والموجبات؛ تخلصنا وانتهاؤنا من (إماتة) نهار شهر رمضان، وفترة إجازات الرؤساء لموظفيهم، وتعطيل من داوم منهم لمصالح الناس ـ راجعنا بعد العيد ـ، والجوع دون الإحساس بحقيقته، والنوم دون التلذذ به، والتهام الأطعمة والمشروبات الرمضانية، وإراحة الأصابع من التقليب بين القنوات الفضائية، والتنزه بين المراكز التجارية، والتجول بين الجوامع والمساجد بحثا عن التالي وليس الذي يُتلى، والتسابق على كم جزءا ختمت؟ وكم يوما اعتكفت؟
لا شك أن التخلص مما نوهت عنه ـ وغيره ـ يستوجب الفرح، ولا شك أيضا أن الفرح نعمةٌ من نعم الله تعالى، وتحتاج هذه النعمة إلى البعد عن التفكير عن (أنا، ونحن، ولي، وعندي) فمحال على من فكر في عالمه فقط أن يفرح مع أمته بالعيد أو بأي مناسبة أخرى. العيد فرصة لتغيير أساليب التفكير، وتغيير السلوك، وتغيير أساليب الحياة. فرصة للبحث عن الإيجابيات، والاعتراف بالسلبيات. وفرصة لحزم الأمور، وتنظيم الوقت، وتحميل النفس قدر وسعها، وعدم المبالغة، وعدم اليأس، وعدم الخجل من الاعتذار، وإيقاف الآخرين من التسلق على أكتاف غيرهم. وفرصة للرياضة، والنوم العميق، والاسترخاء، والتراجع عن كل لقمة أو شَربة غير صحية. تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام، وأعادكم ربي إلى أمثاله، ولا حرمنا جميعا من دواعي الفرح والسرور، حتى لا نفرح أو نسر أو نضحك بدون سبب، إنه سميعٌ مجيب.