نؤمن بنزاهة القضاء، ونحترم أحكام القضاة؛ لأنها في الأساس مبنية على أدلة معتبرة..

وحين ينظر القاضي قضية مشاجرة فيها إصابات ويحكم لصالح المصاب نحترم الحكم الذي أقر الاعتداء وأدان المعتدي، وللمدان حق الاستئناف ولو نُقض الحكم وبُرئ المتهم نحترم حكم الاستئناف ونقضه.. لكن يحوم سؤال مشروع: إذا كانت المشاجرة وقعت والإصابات مثبتة والمتهم بريء.. فمن المعتدي؟ وكشف المعتدي ضرورة لعدالة الحكم وبراءة المدان سابقاً؛ لأن إدانته السابقة كانت مبنية على جريمة واقعة!

حين جلس الخليفة عمر بن الخطاب لمحاكمة متهم بالزنا، قال للمتهم حين أثبت الشاهد الأول الزنا: اذهب مغيرة قد ذهب ربعك.. وبعد شهادة الثاني قال: اذهب قد ذهب نصفك.. وبعد الشاهد الثالث: اذهب قد ذهب ثلاثة أرباعك.. وحين تراجع الشاهد الرابع عن إثبات الزنا.. نال المتهم البراءة.. وحُكم على الشهود..!

قول عمر للمتهم "ذهب ربعك وذهب نصفك وذهب ثلاثة أرباعك".. تعني الكثير في الحُكم، حتى لو نال البراءة.. تذكرت هذه القصة وأنا أتابع تفاصيل براءة المتهمين في قضية الفساد بتعليم حائل بعد أن أدانتهم المحكمة الإدارية بحائل، وأصدرت بحقهم أحكاما بـ 34 سنة، وإعادة نحو 8 ملايين ريال وغرامات بـ 680 ألف ريال.

نقضت محكمة الاستئناف بالرياض الحكم وأصدرت حكماً ببراءة المتهين بفساد تعليم حائل، رغم تصديق اعترافاتهم شرعاً والحكم من ثلاثة قضاة عليهم ووجود 19 ألف وثيقة درستها عدة جهات حكومية منها هيئة التحقيق والرقابة والمباحث الإدارية والمحكمة الإدارية، ومع ذلك كان للمدانين حق الاستئناف بعدما أدانت المحكمة 17 من بين 34 متهما..!

وليس على تبرئة الاستئناف للمدانين أي اعتراض، لكن أين من سرق أموال التعليم التي أثبتت هيئة الرقابة والتحقيق أن الأموال المفقودة تقدر بـ30 مليون ريال..؟ أو لماذا لا تحاسب هيئة الرقابة إن لم تكن صادقة في اتهامها لهم بقضايا رشوة وتزوير واختلاس واستغلال نفوذ وتبديد وهدر مال عام ومخالفة نظام المشتريات والمنافسات..؟

(بين قوسين)

يتهم محامي المتهمين "الإعلام" بمحاكمة المتهمين قبل المحكمة والتأثير على سير القضية، رغم أن الإعلام نقل فقط مجريات محاكمة علنية فيها ثلاثة قضاة ومدع عام و19 ألف وثيقة..!