في الماضي، كان عدد المستشارين في القطاع العام، أو الخاص محدودا جدا، أما في الأعوام القليلة الماضية، فقد زاد الاعتماد على المستشارين في القطاعات المختلفة بشكل كبير، بل بدرجة لافتة للنظر، ولا أعرف بالضبط الأسباب الحقيقية التي أدت إلى حدوث مثل ذلك، ولم يقتصر الأمر على مستشار أو اثنين لدى القطاع الواحد، أو لدى المسؤول الإداري عن هذا القطاع، بل تعدى الأمر ذلك الرقم، إلى أن وصل إلى أعداد مبالغ فيها من المستشارين.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هذه المؤسسة، أو الإدارة بحاجة حقيقية إلى هذه الأعداد من المستشارين؟.

الإجابة عن هذا التساؤل في كثير من الأوقات بالنفي، وفي الماضي كان نمط الاستشارات محدود على فئة من الأفراد الذين لديهم خبرات، وممارسات في مجال، أو مجالات هذه الإدارة، أو القطاع، أو المؤسسة، ولها إنجازات متميزة تجعلها تقدم المشورة النافعة للجهة التي تعمل بها كمستشار، وتكون الاستشارة في الغالب من النمط "مستشار غير متفرغ"، بحيث يخصص جزء من وقته للعمل في هذه المؤسسة، أو ذلك القطاع أياما محددة، ويستمر في عمله سواء في القطاع الحكومي، أو الخاص.

أما هذه الأيام، فنسمع بين الحين والآخر تكليف عدد من المستشارين المتفرغين كليا في المؤسسات، أو القطاعات، أو الإدارات التي لا يحتاج واقعها أو هيكلتها هذا العدد من المستشارين، حتى إنه في بعض الأوقات يكون عدد المستشارين في المؤسسة، أو القطاع الواحد أكبر من عدد القياديين فيه، وتفسير ذلك من وجهة نظري ـ على الأقل ـ قد لا يخرج عن الأسباب التالية مجتمعة أو متفرقة.

العامل الأول، الذي يجعل بعض المسؤولين يستعينون بعدد كبير من المستشارين من خارج الجهة التي يعمل بها، هو أن المسؤول الذي كلف بالعمل في هذا القطاع ـ وهو من خارجه ـ لا يدرك واقعه، وأبعاده، واحتياجاته، وقد يفوت عليه كثير من متطلبات المهمة الجديدة؛ فيعمد إلى اختيار مستشارين وتكليفهم بالعمل معه؛ كي يساعدوه في هذه المهمة، وبذلك يعمد إلى تهميش القياديين الذين معه في هذه المؤسسة بقصد، أو بغير قصد، ويكون هناك ردة فعل غير جيدة منهم، وبهذا الأسلوب يعمل المسؤول على إيجاد بيئة عمل غير مناسبة، من خلال الاعتماد على المستشارين الخارجيين، ويتجاهل زملاءه في العمل.

هنا قد يأتي السبب الآخر، وهو أن المكلف بالعمل في قمة الهرم الإداري من خارج هذه المؤسسة، يتخوف من زملائه القياديين الذين يعملون معه، ولا يثق فيهم؛ لأنهم يدركون أبعاد العمل بشكل كبير بحكم خبراتهم، فيتجه إلى المستشارين من خارج هذه المؤسسة لمساعدته على أداء مهمته، وهنا أرى أن هذا الشخص الذي ليس لديه خبرات عالية في مجال عمله الجديد، قد يكون تكليفه فيه إجحاف في حقه، وإجحاف في حق هذه المؤسسة التي يعمل بها.

العامل الثالث الذي أعتقد أنه سبب في اختيارعدد من المستشارين لدى بعض المسؤولين، هو أن هناك عددا من زملاء المهنة، أو الأصدقاء، يحاول المسؤول أن يكونوا قريبين منه، ويعملون معه عن قرب، وقد يكون الهدف الأساس من ذلك، هو انتفاع الزملاء ماديا، وعمل المعروف معهم، وخدمتهم في مجال سيرتهم الذاتية.

وهنا أرى أنه إذا كان مستوى المستشار العلمي، وخبراته، ومهاراته، وقدراته عالية جدا، ويستطيع أن يقدم آراء ومقترحات تطويرية، تعمل على حل المشكلات التي قد تواجه هذا القطاع أو المؤسسة، ولا يوجد بها من قيادييها، أو موظفيها من يمتلك تلك الخبرات، والمهارات، فيعد ذلك مكسبا للمؤسسة، ولكن يكون عدد المستشارين في حدود المعقول، وبعيدا عن المبالغة، أما إذا كان المستشارون لا يملكون أي مهارات، أو خبرات في مجال عمل هذه المؤسسة ونشاطها، ويوجد بها من أبنائها من خبرات طويلة، وهو مؤهل للقيام بعمل مستشار داخلي للمسؤول ويمكن الاستفادة منهم؛ فإن وجود المستشار، أو المستشارين الخارجيين غير ضروري، بل قد يكونون ـ في كثير من الأوقات ـ عبئا على هذه المؤسسة، وتكون آراؤهم، أو مقترحاتهم عائقا أمام تحقيق أهدافها؛ نظرا لعدم وجود الخبرات اللازمة لديهم، التي تعينهم في الأعمال التي توكل إليهم،

في هذا المجال من الضروري أن يكون هناك معايير لاختيار المستشارين، وأن تكون هذه العملية بعيدة عن المحسوبيات، والفزعات، ولا يرشح للعمل في هذا المجال إلا من هو مؤهل، ولديه من الخبرات التي تمكنه من تقديم استشارات بمعناها الحقيقي.

ومن الملاحظ أيضا، أن بعض المستشارين في عدد من القطاعات لديهم مستشارون، وقد يكون لدى مستشار المستشار مستشار، ولا تنتهي هذه السلسة التي قد تخرج مفهوم الاستشارات عن إطارها الصحيح، وتكون الاستشارات شكلية فقط، وتعد مؤسسات التعليم العالي ممثلة في الجامعات في أغلب الحالات هي مصدر المستشارين للقطاع الحكومي والخاص.

المشكلة هنا في أن بعض الجامعات يكون لديها مستشارون من خارجها، بل من خارج الوطن، وممن لا يملكون خبرات كافية، وليس لديهم معرفة بواقع هذه المؤسسات، واحتياجاتها الفعلية، وفي الختام أتمنى ألا يكون المستشارون في مؤسساتنا فقط للمباهاة بهم من ناحية العدد، بل تتوافر فيهم مواصفات، ولديهم خبرات حقيقية تنعكس إيجابيا على أداء مؤسساتنا، وأن يكون لهم جهود حقيقية في مساعدة قطاعاتنا المختلفة في تحقيق أهدافها.