يبدو أن مقالي الموسوم بـ "سبيلنا إلى إلغاء النحو" المنشور في هذه الزاوية في 17/4/2014، قد أثار حفيظة أساتذة كرام من المشتغلين بهذا العلم الجليل، وفُهم على غير ما أردت، أو أن عرض الفكرة في هذه الزاوية المحدودة لم يتح مجالاً لمزيد من البسط والتحليل، إنما هي فكرة قيلت ذات لقاء علمي ولها جوانب متعددة يمكن تناولها ونقاشها عبرها، لم أقل - البتة - ولم أطرح أني أحاول أو أدفع بأن يُلغى النحو من علوم العربية ومن الدرس اللغوي بخاصة، فالأمر ليس بيدي ولا تحت تصرفي ولا أتصور أو يتراءى في خيالي أن نتخلى عن علم خدمه العلماء الأوائل واستفاضوا في درسه وشرح أصوله ومختلفه ومتشابهه، كيف لي أن أقول بذلك وأنا ابن من أبناء الحلقة اللغوية أنفقت فيها ربيع العمر وزهرة الشباب؟ إن ما توهمه الأفاضل من النحويين والمشتغلين باللغة وعلومها، ليس سوى محض لبس يحتاج إلى إيضاح. جوهر الفكرة والتي مفادها أننا إن تحدثنا مع أبنائنا وطلابنا وناشئتنا بلغة فصيحة سليمة لتجاوزوا في درسهم صعوبات النحو ودهاليز الإعراب وفضاءات المعنى والدلالة التي يفضي إليها التركيب الجُملي تقديما وتأخيرا وحذفا وإضافة، أو علامات الإعراب أصليها وفرعيها، لم نطرح أن يلغى النحو وإن جاء العنوان مباشرا وصادما، إنما هو الحثّ على أن يتحدث المعلمون والآباء والأمهات مع الأبناء، خاصة في سنيّهم المبكرة باللغة العربية الفصيحة المضبوطة المؤدّية، وهيهات أن يعمّ ذلك المجتمع في ظل ما تشهده البنى اللغوية من هجمات وعوامل تمدّن وتغريب تنخر في الكيان اللغوي، ناهيك عن تعدد اللهجات وتباعد المعاني، وعليه فإن النحو باق ويشرفنا بقاؤه، فلقد حفظ لنا صلابة اللغة وتماسكها وحضورها البلاغي والإبداعي على الأقل عند من لا يزال يعتز بها ويتعهدها بالدرس والبحث والتوظيف، وغير بعيد عن المهتمين تلك الدعاوى التي رفعت العقيرة بتبسيط النحو وتقريبه من معطيات الحياة المعاصرة، بل وذهبت إلى أبعد من ذلك حين طالبت بأن يكتب الناس بلهجاتهم العامية، ولن نكون – ما دمنا – إلا في وجه تلك الدعاوى المغرضة.

إن مسألة حديث الناس بلغتهم الأم لهي قضية رئيسة وسؤال كبير تقف أمامها المؤسسات المعنية وقفة حائر، فيما أرى أنه قرار سيادي وسياسي وجب أن يُتخذ سريعا وعاجلا ، فأمة دون لغتها الصحيحة هي أمة لا انتماء لها ولا نهضة.