لعل الخطوة الإيجابية التي انطلقت في مكة المكرمة قبل أيام متمثلة في برنامج "ثقافة الحي" تفتح الباب للمدن الأخرى كي تمارس الفعل ذاته أو ما يقاربه، ليس على مستوى المملكة فحسب، بل على المستوى العربي.. فالمجتمعات أحوج ما تكون لخلق مساحات من الانفتاح على بعضها بعضا عبر تبادل الأفكار وتطوير المكان لتشكيل حالة متكاملة يأمل بها كل من يسعى لمواكبة الزمن ومعايشة من حوله برؤى توافقية ليس فيها نفور أو حدة.

الحي هو اللبنة الأولى للمجتمع.. وفيه ينشأ المرء منذ صغره، وربما يتعلم من أقرانه بقدر ما يتعلم من أهله ومدرسته، وإن كانت البيئة ناضجة واعية فذلك سوف ينتقل تلقائيا للفرد، ومع مرور الزمن يتكون الوعي المطلوب لديه كي يواجه احتياجات الحياة بعد أن يكون قد صنع لذاته الأدوات اللازمة.

ولأن ارتقاء الثقافة والأدب.. والإبداع بشكل عام من عوامل رقي المجتمعات، فلا بد أن تشغل حيزا من اهتمام اللجنة القائمة على برامج الحي وفعالياته وأنشطته، ويتم ذلك عبر استقطاب البارزين من المثقفين والكتاب والمبدعين من أبناء الحي والأحياء المجاورة، ويحبذ لو تطور الأمر إلى استضافة من يسهمون في الندوات والأمسيات والمعارض التشكيلية والأعمال المسرحية.. وكل ما له علاقة بالشأن الثقافي.

من الجميل أن تأتي المبادرة، ومن الجميل أيضاً أن يتحقق جزء من الفعل المصاحب لها، فهو يعني الجدية في العمل، ويعني كذلك أن الجزء المتبقي سوف يكون له حضور، وهو حتى وإن تأخر سيؤثر معرفيا على عدد من الأفراد، ومجموع الأفراد يشكل جماعة، وبإكمال السلسلة ينتهي الأمر بأن تصبح المسألة الثقافية شمولية على امتداد البلد.

في الأحياء مواهب كثيرة يمكن اكتشافها وصقلها، وربما ما يفعله كشافو الرياضات مثل كرة القدم ينطبق على الثقافة، فقد تظهر إبداعات ناشئة تتلمس طريق الضوء يمكن الأخذ بيدها وتنظيم دورات تدريبية أو ورش عمل تشرف عليها لجنة الحي أو اللجان الفرعية المنبثقة عنها في هذا المجال أو ذلك، فيكسب الحي والبلد خبرات لاحقة في كثير من الفنون.

الأهم في كل ما سبق هو الاستمرارية، إذ لا يجدي أن نقترح ثم نبدأ بالتنفيذ لتظهر العراقيل ويتحرك المحبطون لممارسة هوايتهم في إفشال المشروعات الناجحة.. لكن ما يجب أن يقال هو أنه مادامت القناعة موجودة، فالثمار سوف تقطف.