كتب بعض القراء تعليقات مهمة على المقال السابق، فسرت سلوكنا في التعامل بالتفادي والنفور، والبعض قدرها بانعدام الثقة، ولو أنها تظهر لنا كثيرا من صور التعاطف والتكافل، لكن هذه الصور لا تظهر أمام البارزين بأفكارهم ونجاحاتهم، ولا يحدث هذا على مستوى الأفراد فحسب، إنما على المستوى الإداري والمهني، وعلى قياس المشاريع الوطنية أيضا، ولا ننسى خسارتنا لشخصية إدارية قوية ومقتدرة، نظرت للمستقبل بعين ثاقبة وجريئة، بعد الترويج الذي تبناه البعض من ذوي المراكز الاجتماعية والشخصيات العامة للتشكيك فيها وتكذيبها بقصد أو بغير قصد، مما تسبب في إحباط مبادرة التصنيع لسيارة "غزال"، وبدلا من تبني المبادرة فقد ضاعت القضية بين الجهات التي من المفترض أن تتبنى المشروع، حتى وئدت في مهدها.

وعلى اعتبار أن إنتاجها مبني على مشروع مخطط وبحث علمي مدروس، فقد كان من الممكن تطوير هدفه لإدخال صناعة السيارة عمليا إلى المملكة، الا أنه تعثر ولم ير النور، ذلك أن التجاهل كان متعمدا للبعد الأسمى من وراء تحقيق المشروع، فيما تم تحوير القضية على مقاييس المصالح الشخصية وتجاهل المصلحة العامة.

في المقابل، انقاد الكثير للإشاعة في ظل انعدام الوعي، فهم يصدقون الكذبة لمجرد أنهم يثقون بالشخص الذي يروج لها، وهذا الهوس يعيق التفكير، خاصة إذا لم يُبنَ على دلالات منطقية، غير أن تركيزنا في تصورات الفشل المتكرر يعمي النظر عن البحث في الحيثيات أحيانا، وبالتالي لا يجعلنا نضع احتمالا واحدا على القدرة في تجاوز التعثر والمضي نحو النجاح، وحينما سمحنا بالتعاطي مع هذه الطرق في التفكير، فقد سمحنا للمحبطين والأنانيين بترميز شخصياتهم على واقعنا، وسمحنا بسرقتهم لنجاحات المجتهدين، التي قد يكون لأبنائنا منها النصيب الأكبر.

ومما يؤسف، أن تنعدم القيمة الأخلاقية للتنافس الشريف وصناعة الحوافز وتبني آراء الآخرين، فإذا كان الشخص الذي أمامك يتعالى عليك بقيمة المعلومة، فإنك مضطر كردة للفعل أن تتعالى عليه أو تثبت له عدم احتياجك له، وعلى وجه آخر قد تستخف به وتسخر منه ليشعر بصغره أمامك، وهذا السر في تنافرنا، بينما لو استطعنا بالوعي تقديم الدعم والتوجيه للمبدعين، حتى ولو قفزوا فوق نجاحاتنا، فالعمل الناجح لا ينفرد به الشخص لذاته، بل إنه يعد قفزة فكرية ومجتمعية تمثل المجتمع بأكمله.