عندما ننادي بأن يُدرس تاريخنا العربي ولا يُترك شبابنا بأن يرجع لكتب المستشرقين أو أفلام هوليوود لتستفرد به وتبث الأكاذيب إليه كما تبثها للعالم، فيصدق شبابنا الذي للأسف نسمع من بعضه أقوالا نشاذا؛ بأن أرض فلسطين "تاريخيا" كانت بالأصل لليهود ولهم الحق بالعودة لأرضهم! أي تاريخ هذا الذي رغم كل الحفريات التي يقومون بها لم يجدوا دليل واحدا يدعم افتراءاتهم، وما زالوا يبحثون إلى يومنا هذا عن أثر لهم تحت ترابنا... يحفرون ويهددون أساس المسجد الأقصى ولم يكتفوا بهذا بل يعملون على إصدار قوانين بتهويد ليس فقط القدس بل كل الأراضي المحتلة، وأين نحن؟! مشغولون بالمعارك نحارب بعضنا البعض بحجة الدين والمذهب والشرعية والديموقراطية!

والذي يدمي القلب حقا أننا حين نشارك أهلنا في فلسطين ذكرى النكبة نتهم بأننا نسهم في إشعال العنف والكراهية بين شعبين! أي شعب يريدوننا أن نعترف به؟! من جاؤوا من جميع أنحاء العالم ليحتلوا أرضا عربية تحت كذبة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"؟! من قاموا بتهجير أصحاب الأرض الأصليين بالمذابح والقتل والتشريد؟! كم قرية فنيت وبنيت على أنقاضها مستوطنات؟ وما زالت سياسة القضم والضم جارية إلى يومنا هذا... حتى الصحراء لم تسلم من أطماعهم!

يريدوننا أن نسلم بالأمر الواقع ونطالب الشعب المنكوب بالتعايش.. التعايش مع من؟! مع العنصرية، مع الإجرام، مع الكراهية والحقد بعينه! نعم يجب أن يتعايشوا مع الشيطان الأكبر ويتركوه يهدم منازلهم، ويقتلع أشجارهم.. يعتدي على أطفالهم ويسجن ويأسر شبابهم.. ويحاصرهم إلى أن يقضي عليهم.. طبعا من خلال المفاوضات والتنازل، إلى أن لا يجدوا يوما أرضا لدفن موتاهم!

إلى كل من يتشدق بالتعايش والتطبيع أقول: حين تحتل أرضك ويشرد شعبك في المخيمات ويشتت إلى جميع أصقاع الأرض، وتتعرض لجميع أنواع القهر والتعذيب لأكثر من ستة وستين عاما... حينها قف وحدثنا عن التعايش والتطبيع! يعايروننا بأننا من أمن وأمان منازلنا نحرض الشعب الفلسطيني على العنف! ومتى كان النضال ضد المحتل المغتصب عنفا؟! ومتى كان الدعم المعنوي.. بأن نعيش ونحيي ذكرى النكبة معهم... تحريضا؟! أي منطق هذا.. أن نتقبل العدو المغتصب على أنه واقع لا مفر منه! إذن لنتركهم حتى يقضي هذا الواقع عليهم ويشرد ما تبقى من الشعب الفلسطيني شرط أن يفتح كل من يتشدق بأن الكيان الصهيوني "أمر واقع" منزله ويستقبلهم كشركاء في كل شيء... وهنا أعني كل شيء!

إن الواقع الذي يتمثل في تحريض الشعب الفلسطيني على أمته وعلى إخوته من الشعوب العربية أصبح أسهل عندنا من دعمهم وهم يقفون في وجه العدو! نعم في هذه الظروف التي تعيشها أمتنا ليس باستطاعتنا أن نقدم لهم شيئا، ولكن على الأقل يجب ألا نقلل من دماء شهدائهم ونضالهم ونطالبهم بالاستسلام للأمر الواقع.. هذا إن كان أمرا واقعا.. إنه احتلال.. اغتصاب أرض وتشريد شعب وإن نسينا نحن أو تناسينا.. لم ولن ينسوا هم! إن هذا ما كان يحلم به ويتوقعه العدو.. أن يموت جيل ويأتي جيل إلى أن تضيع القضية وتصبح في خبر كان، وتصبح من حكايا كان يا ما كان.. ولكن خاب ظنهم ومع كل جيل جديد تجد إصرارا أكبر وإرادة أقوى على الاستمرار في طريق النضال.. لقد تعلموا الدرس جيدا ويطبقونه كما طبق عليهم؛ النشر والإعلان.. عرض قضيتهم في كل المحافل ومتابعة تعديات العدو لحظة بلحظة وكشفها للعالم.. وليس أمر حملة مقاطعة منتجات المستوطنات ببعيد، ولمن لا يعرف فليبحث ويتعرف على الضربات التي يوجهها الشباب الفلسطيني للكيان الصهيوني من السجون وهم أسرى.. من الجامعات أساتذة وطلبة.. ومن المحافل الثقافية والاجتماعية والسياسية والفنية... إنهم قادرون ولا يضيع حق وراءه مطالب.. ولو بعد مئة عام، ليس لأن الأمر بيدنا أو أن القرار قرارنا بل لأن الأمر قضية.. والقضية وجود... والوجود هو ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم.

كلمة أخيرة ليس كل من يدعم القضية الفلسطينية يعيش في أمن وأمان، منا من يعيش حرقة ذكريات الرعب والتنقل بين الملاجئ وقت قصف طيران العدو للمدن، بل منا من عاصر قصف ومجازر المخيمات، فلمن لم يدرس التاريخ الصحيح، ولمن لم يتربى ويكبر على القضية... لمن نسي أين هي بوصلة الأمة العربية... أقول: تريدون التعايش؟ ممتاز الأبواب مشرعة وألف من سيأخذ بيدكم، لأن التعايش أصبح "وجهة نظر"! ولكن ليعلم الجميع أن الأمر منذ البداية حتى النهاية ليس عائدا لنا أو لكم إنه للشعب الفلسطيني داخل وخارج الأراضي المحتلة.. فعلى الأقل لنقدر ونصغي لمأساتهم وتضحياتهم... فهم أصحاب الحق وهم أصحاب القرار لأنهم أصحاب القضية.