في مقالي السابق، تحدثت عن الجانب المشرق من صفات التعاطف الإنساني، وحينما نتحدث عن العواطف بالمطلق، فهذا يعني مجمل السلبي والإيجابي منها والتي يتشكل منها السلوك أحيانا بنفس المقدار، فحديثنا اليوم عن قصة مشابهة للموقف الذي امتثل فيه المغردون السعوديون بالمساعدة والدعم للطالب الأميركي، وعلى العكس مما حدث معه فقد كان التفاعل سلبيا مع طالبة للماجستير من السعودية اسمها "عزيزة" كانت لديها نفس الحاجة، حيث كتبت تغريدة في تويتر تطلب الدعم بـ1000 ريتويت فقط، وكانت الردود على طلبها مثيرة للاشمئزاز، إذ اختلفت تفسيرات طلبها، فمنهم من كذبها، والبعض الآخر سخر منها، بينما كان التفاعل أكبر بكثير مع الطالب الأميركي، فقد صنعوا له انتصارا وصل إلى درجة التباهي في وسم: "#تورطت_يا_دكتور_ديفيد"، كتبت فيه عشرات التغريدات التي تصور مقدار الاستعداد للمنافسة ومدى الثقة بالقدرة على كسب الرهان في تحديهم الأستاذ نفسه!

هذان الموقفان لو وضعناهما بالمقارنة، حيث ننظر لكل شخصية من منطلق الجنسية والاختلاف القائم على اعتبار البيئة والخلفية الثقافية التي يمثلها كل منهما؛ سنجد أن الفرق شاسع، مع ملاحظة أن الشخصية المنتمية للجنسية الأميركية، قد صورت من قبل للمجتمع بالعداء والكفر والخداع وغيره، وبشكل متعمد مغلوط على مدى العقود الطويلة الماضية، إلا أنهم لا يستطيعون إخفاء الإعجاب بالعقل الغربي صاحب السيادة الحضارية الذي اكتسب بنيته الذاتية، بعد أن حرر عقل الإنسان، ومنح شعوبه قيمة عظيمة للاعتزاز والتباهي، إزاء المجتمعات البشرية، فرغم دونيتنا لديه إلا أننا لا نجد أنفسنا إلا ونقف ملزمين لنقدم الاحترام إلى كل من ينتمي إلى تلك الثقافات، حتى إننا قدمنا "الفزعة" للطالب الأميركي، ولم نتساءل أمامه أو نشكك كما فعلنا أمام "عزيزة"، فمساعدة الطالب تأتي من حبنا لنموذجه كطموح حضاري، وفي المقابل قد يعبر هذا عن عجزنا في إيجاد ما نقدم به أنفسنا للآخرين بالطريقة التي ستكفل لنا شيئا من الاحترام.

لا شك أننا مدفوعون بعواطفنا في تقبلنا للأمور وتناولنا للأشياء، فنحن نشعر من حيث توجه لنا مشاعرنا، ومن يتأمل في هذين الموقفين على قياس الجانب السلبي منها، سيدرك كم نحن متذمرين من كينونتنا، وسيصيبه التوجس بشأن أخلاقنا وثقافتنا التي نطمع في إعمارها بعيدا عن مآسي الواقع.