يتجاهل الكثير من الأسر زواج بناتهم للمرة الثانية، خاصة إذا توفي عنها زوجها وترك معها أبناء، بل يصلون إلى وصف زواجهن بالحرج الاجتماعي وبالخط الأحمر الذي لا يحق لهن تجاوزه، خاصة إذا بدأ العمر يتقدم بالمرأة.

ولا يدري كثير من أصحاب ذلك الرأي أن الحكم على المرأة بتكملة ما تبقى لها من أيام في الحياة وحيدة قد يتسبب لها في أمراض صحية ونفسية بعد أن أفنت حياتها في تربية أبنائها.

"الوطن" وقفت على حالات عدد من النساء اللواتي تضجرن من هذا الاضطهاد الذي فرض عليهن من قبل بناتهن وأبنائهن ومجتمع لا يرأف بهن.

وتقول الخمسينية "عايشه بكر": توفي زوجي وأنا في العشرين من العمر ولم أفكر في الزواج خوفا على أبنائي الأربعة من ظلم الزوج الآخر أو عدم تقبلهم له، وعندما كبر أبنائي تزوجوا جميعا وتركوني أعيش بمفردي ما بين الوحدة والمرض، وعندما تقدم لي شخص للزواج وافقت عليه لينقذني من الوحدة ويرافقني فيما تبقى من عمري. وتابعت "بكر" بأنها فوجئت بمعارضة أبنائها لهذا القرار، واصفين زواجها بقلة الحياء، وفي حال إصرارها على هذا الزواج فينبغي عليها التنازل عن كل ما تملك لأبنائها وتذهب مع من تشاء.

ومن جانبها، قالت الأربعينية "بدرية هادي "إنها فكرت في الزواج بعد طلاقها للحصول على عائل يساعدها في تربية بناتها وتلبية احتياجاتهن ولكن فكرتها قوبلت بالرفض التام من قبل ابنتها الجامعية التي عارضتها وخيرتها بين البقاء معهن أو تركهن للأبد، واكتفت بقولها "من العيب أن تفكري في الزواج يا أمي بعد هذا العمر، ولم تفكري فيما سيقول الناس عنك".

وأشارت هند رافع إلى أنها واجهت منعا من قبل ابنها الذي تعيش معه عندما تقدم للزواج منها أشخاص يتقاربون معها في العمر لكن ابنها الأكبر كان يواجههم بالرفض، مشيرا إلى أنها لم تعد صغيرة لتفعل مثل هذه المواضيع، وفي المقابل حولها هو إلى خادمة لزوجته ومربية لرعاية أبنائه. وقالت بألم: لقد تناسى ابني دوري في الحياة كليا وعزلني لأعيش في غرفة خارجية عن منزله.

ومن جهته، أكد استشاري الطب النفسي بمركز النخيل الطبي بجدة الدكتور علي زائري أن من حق المرأة وإن كانت مسنة الارتباط واختيار الشريك والحياة بطريقة كريمة والاستقرار النفسي، واصفا الإصرار على المنع والحرج المجتمعي بقصر النظر، وأنه لا يأتي إلا من أصحاب نظرة سطحية للأمور تحتاج إلى إعادة تقييم وكسر هذه القيود، بقوله إن هذا المنع يعد ظلما واعتداء على الحقوق الشرعية إضافة إلى أنه ينقص من العمر الافتراضي للمرأة بسبب تعطيل نشاطها النفسي والاجتماعي، فتركها جانبا بدون أي دور مهم يجعلها معرضة للأمراض العضوية والنفسية، وبالتالي فقدانها.

وبين الدكتور زائري أنه وقف على حالات عدة لسيدات شكون من رفض أبنائهن وعدم تقبلهم فكرة زواجهن وإجبارهن على تربية أحفادهن دون مراعاة لسنهن وتقدمهن في العمر. وقال: تزيد أهمية الزواج والاحتياج إلى شريك مع التقدم في السن بسبب ازدياد الاحتياج النفسي والعاطفي في هذه المرحلة وحدوث الاضطراب النفسي المعروف باضطراب العش الخالي وهو إحساس المسنة أو المسن بفقد أحد أبنائه أو بناته عند استقلالهم بعيدا عنه مما يدخله في صراعات الوحدة والألم.

وطالب زائري المجتمع وجميع مؤسساته بدراسة الموضوع ورفع الحظر والحرج المجتمعي وتثقيف الناس ورفع إدراكهم وتثقيف أفكارهم ومداركهم وتشجيعهم على ترك الأفكار الرجعية التي لا تستند لمنطق أو دين.