ازدواجية المعايير بين الفكر والسلوك تعد من أكبر العقبات التي تواجه بعض المجتمعات الإسلامية، وتعرقل تعايشها مع المجتمعات الأخرى، ويتضح ذلك من خلال المسارعة في نقد سلوكيات بعض الجماعات الإسلامية عند أول فعل تطبيقي على أرض الواقع نتيجة للفكر المسيطر على أغلب هذه الجماعات، كما فعلت جماعة "بوكو حرام" في نيجيريا التي تريد إعادة دولة الخلافة، وهو هدف يشاركها فيه الكثير من المنتمين لبعض الجماعات الإسلامية. هذا النقد والرفض لما فعلته الجماعة لا يغير في الأمر شيئا اللهم عدا كونه تسجيل موقف البراءة من السلوك المشين المتمثل في "سبي الفتيات" الذي وجد ردة فعل قوية ورفضا عنيفا أجمع عليه العالم. بوكو حرام تطبق كغيرها الفكر المشترك بين الكثير من الجماعات الإسلامية، وتريد أن تقيم دولة الخلافة، وتريد أن تطبق ما حفل به الموروث الثقافي من حديث عن السبايا والجواري. أليس البعض من المسلمين يدعون الله على المنابر بأن يجعل نساء الكفار غنيمة للمسلمين، فما بال البعض منا يسأل الله أن يستجيب لهذه الدعوات ثم ينكر وبقوة على من يطبق هذه الأماني على أرض الواقع، وحتى يكون هذا الإنكار صادقا وحقيقيا يجب أن يتجه إلى نقد الكثير من الأفكار التي تؤمن بها هذه الجماعات والتي لم تعد صالحة للتطبيق في هذا العصر.

من يقرأ التاريخ الإسلامي والمعارك التي خاضها المسلمون بعقلية الناقد المتجرد سوف يصيبه الذهول من خلال الكم الهائل من التركيز والاهتمام بالسبي والغنائم في الكثير من المعارك. كانت ثقافة السبي منتشرة في العصر الجاهلي بشكل مقزّز، ويتم أخذ النساء سبايا بعد قتل الرجال في المعارك، ويتم تقسيم النساء من ضمن الغنائم، ومن يجهل قصة "سفانة" ابنة حاتم الطائي عندما أخذت سبية فأخلى سبيلها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفور.

ومن المؤلم أن موقف الرسول صلى الله عليه وسلم الرافض للسبي لم يدم طويلا، حيث امتدت ثقافة السبي عبر العصور الإسلامية، فكانت الدولة الأموية والعباسية مرتعا خصبا لبيع الجواري والسبايا اللاتي يتم قتل رجالهن في المعارك مع الفرس والروم وأحيانا مع مسلمين آخرين لدرجة أن تقديم الجارية كهدية أمر لا يحتاج الكثير من التفكير، فالجارية يمكن الحصول عليها بثمن بخس ودراهم معدودة.

عندما نمجد حضارتنا الإسلامية متجاوزين ما فيها من سلبيات، ونجعلها فوق النقد علينا أن نتوقع ظهور من يطبق هذه السلبيات، وعلينا تحمل النتائج طالما أننا نعدها "تابوو" لا يمكن المساس به أو حتى الاقتراب منه. ستذهب بوكو حرام، وستأتي جماعة أخرى، ولن يتغير في الأمر شيء طالما أننا لا نمتلك الجرأة على فحص الكثير من الأفكار وإخضاعها للنقد والتخلص من التي لم تعد صالحة، ولا تناسب العصر الذي نعيشه، ولا يمكن القبول بها في العصر الحالي.

بوكو حرام على سبيل المثال تعتقد أن التعليم الغربي حرام، وتعليم الفتيات حرام، وأفكار أخرى لا يتسع المجال لإيرادها، ومن يعتقد أن أفعال الجماعة تشوه صورة الإسلام فهو –حتى لو كان اعتقاده صحيحا- يقع أسيرا لازدواجية المعايير بين الفكر والسلوك، إلا إذا ابتعد عن هذه الازدواجية وقام بتوجيه ذات النقد وبنفس الدرجة لأفكار مماثلة تحملها جماعات أخرى وبغض النظر عن الزمان والمكان أو أية اعتبارات أخرى، وأعتقد أن الكثير لن يفعل ذلك.