بين الحين والآخر، نقرأ ونشاهد صوراً لمجموعة من المشايخ تصطف في جموع منظمة أمام وزارة أو مقر حكومي لتطالب بمجموعة مطالبات مكررة، ترتكز حول ضرورة تطبيق الشريعة بالشكل الذي يتناسب مع تفسيرهم، والمحافظة على النهج الإسلامي في الدولة وفق تحليلهم، وأهمية العمل الرسمي لإلغاء قراراتٍ يرونها تخالف العرف والعادات الاجتماعية التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا ممن عاشوا عصور الانعزال.

أستغرب في كل مرة أرى مثل هذه التجمعات، وأتساءل إن كنا نعيش في دولة غير إسلامية، أو دولة تعمل بشكلٍ مخططٍ على طمس هويتها التي تفخر بها والتي تعاهد عليها الجميع، هل يمكن أن نجد دولةً في العالم ملتزمةً بتطبيق الدين الإسلامي بتفسيره الأقرب لباب سد الذرائع والحرص على عدم الخروج، ولو بدرجة بسيطة على النهج المتفق عليه والذي يوازي بين ضرورات الحياة وتشريعات الدين كما نعيشه في المملكة، وهي الدولة التي سخرت كل إمكاناتها المالية والبشرية على دعم كل عملٍ إسلامي داخل المملكة وخارجها، وساهمت بتأصيل المفاهيم الإسلامية القويمة في جميع مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

لن أتعمق هنا لأثبت أن المملكة منذ تأسيسها، كانت ولازالت دولة تطبق التشريع الإسلامي بالشكل الذي يتناسب مع طبيعة المجتمعات الحية، لا وفق نظرة هؤلاء الذين يريدون للبلاد أن تقف عند أبواب الماضي ومكوناته، التي لم ولا تتماشى مع طبيعة المجتمعات اليوم، بل سأقول إن هناك من يسعى باسم الدين على أن يزايد في الوطنية وفي حرصه على الدين، من منطلق قناعته بأنه حامي الدين، في وقتٍ يرى المجتمع كله فاسداً ويحتاج لضبط وتوجيه، تماماً كما يفعل الوصي على الطفل الذي لا يعرف مصلحته.

إن كان هؤلاء يعتقدون بأنهم يستطيعون تحويل المجتمع إلى مدينة أفلاطونية فاضلة وفق تعريفهم للفضيلة فهذا أمرٌ لم يكن ليتحقق في أزهى حقب التاريخ الإسلامي ليتحقق اليوم، فالسارق كان يسرق والقاتل كان يقتل وشارب الخمر كان يتخفى كما هو الآن، وإن كانوا يريدون تعطيل العقل، فالعقل لم يتعطل منذ عصر الخلفاء الراشدين مروراً بدولة الأندلس، وهي الحقب التي تركت لنا أمام العالم بعضاً مما يمكن لنا أن نفخر به بعد أن أصبحنا اليوم دون إنجازٍ حقيقي نفخر به أمام الأمم.