كنت في السنة الثانية في الجامعة، حين سيطر علي هاجس ترك الدراسة والالتحاق بأي وظيفة، وبدأ غيابي يزيد شهراً بعد شهر ومستواي ينحدر أكثر مما هو، سألت نفسي؛ ما قيمة المؤهلات؟ وما قيمة الدراسة إذا كانت الحياة نفسها قصيرة جدا ولا يتمايز الناس فيها إلا بأخلاقهم وأعمالهم؟ وهؤلاء أمّيون حولنا ناجحون ويملكون ما لا يملكه الدكاتره.
وبدأت أمهد لوالدي بالكلام وأن الدنيا لا تستحق كل هذا الجهد والتعب، وأنني قادر على تحقيق "معنى حياتي" بعيدا عن الدراسة، وأنني سأترك الجامعة وألتحق بأي وظيفة لأحقق "معنى حياتي".
أبي لم يطل الكلام وقال لي بحزم (إذا تركت الدراسة الآن فأنت حر، حقق "معنى حياتك" لكن إياك أن تدخل البيت مرة أخرى)، وقطع الحديث ومضى لشغله.
أكملت الدراسة لأني لست قادرا على الابتعاد عن أمي وإخواني وأخواتي وعن أبي نفسه. وتيسرت الأمور وأكملت الجامعة.
حينها لم يكن هناك شيوخ محرضون على الجهاد مثلما اليوم، وإلا كانوا سيتكفلون لي بتحقيق "معنى حياتي". ربما كنت الآن رفاتا مجهولا في "تورا بورا" أو تحت أنقاض عمارة في العليا أو مهرّبا للأطفال السعوديين إلى اليمن بحكم قربي من الحدود.
يومها كانت أفغانستان متأججة ولها دعاتها في الجامعة يلتقطون كل فتى مثلي ويحققون له حياته في قندهار. كانوا سيقتنصونني لو أنهم مثلي يسهرون في مقاهي الوادي شمال سوق الذهب يتابعون المسلسلات أو يلعبون كرة القدم في ملاعب الحزام حول أبها.
في هذه المرحلة من العمر يكون الفتى لقمة جاهزة لكل التيارات الخطرة يريد أن يشعر بمعنى لحياته ولو بتفجير نفسه.
30 عاما مضت تجلت فيها كل الحقائق لكل ذي بصر، واكتوت بلادنا بالتفجيرات، وكنا نظن أن تلك الصفحة طويت حتى فاجأتنا وزارة الداخلية ببيانها الأخير حول الـتنظيم الذي يضم 59 سعودياً.
هل لهذه الدرجة لم نتعظ؟
ما الذي كنا نفعله طوال 30 عاما نحن ومناهجنا وإعلامنا.
لماذا نحن هكذا؟
هل الجواب الصواب ما قاله "منصور النقيدان"؟
نحن في خطر. وكثيرون يبحثون عن معنى لحياتهم.