عند إعلان المديرية العامة للجوازات تطبيق القرار الجديد المتعلق بإيقاف إصدار الجواز السعودي أو تجديده للمواطنين والمواطنات الذين لا يحملون الهوية الوطنية، اعتقدت في البداية إمكانية قيام المرأة التي تجاوزت سن (21) سنة بإصدار جواز سفرها دون الحاجة إلى حضور أو موافقة ولي الأمر.
حيث تضمنت إجراءات حصول أحد أفراد العائلة على جواز السفر الموجودة على الموقع الإلكتروني للجوزات، البند (3) بأنه يشترط حضور ولي الأمر للنساء والأبناء الذين تقل أعمارهم دون سن الحادي والعشرين، ولا يقبل التفويض عند تقديم الطلب، وبالتالي يفهم من هذا البند لأول وهلة بأن المرأة التي تجاوزت هذا السن يحق لها إصدار جواز السفر دون اشتراط حضور أو موافقة الولي.
كما أن الهدف من البند السابق لشروط الإجراءات اشترط حضور ولي الأمر بهدف إثبات الشخصية، حيث إن القصر لا يحملون بطاقات الهوية الوطنية، لذا اشترط البند (8) من الإجراءات حضور ولي الأمر بالنسبة للنساء أو الأبناء على أن يوقع بإمضائه واسمه الصريح بأن الصورة الشخصية الملصقة على جواز السفر صحيحة ويذكر رقمه وتاريخه ومصدره وأن الصورة لزوجته أو ابنته أو أخته أو غير ذلك حسب نموذج التعبئة.
وبعد صدور القرار الجديد، فإن الأمر لا يحتاج إلى حضور ولي الأمر لإثبات شخصية المرأة التي تحمل الهوية الوطنية، ولكن عندما نقرأ الاشتراطات العامة لإصدار جواز السفر، نجد النص التالي: "تمنح جوازات السفر للنساء السعوديات والقصر السعوديين المتوفى ولي أمرهم وكل ما يتعلق بأمور سفرهم بموجب صك شرعي يثبت حق الولاية أو الوصاية أو القوامة الشرعية عليهم من قبل الولي أو الوصي أو المقيم".
وعلى هذا الأساس، فإن المرأة مهما بلغ عمرها، يظل شرط الولاية يلاحقها حتى الممات، بل نجد اقتران اسم المرأة مع القصر وغير الراشدين في جميع تعاملاتها الحكومية وغير الحكومية، مما يعني أنها سفيهة وناقصة الأهلية!.
فالولاية في الإسلام لا تكون إلا على القاصر الذي لم يبلغ سن الرشد، أو السفيه والمجنون، ولكن من الذي وضع النساء ضمن هذه الفئات وجعل الولاية عليهن في جميع أمورهن حتى ولو بلغن سن الرشد؟
فإذا كان بعض فقهاء المسلمين يقسمون الولاية في الإسلام إلى قسمين: ولاية عامة وولاية خاصة، والولاية الخاصة هي: "السلطة التي بها تنفذ المرأة شأناً من شؤونها الخاصة أو الغير كتصرفها في الوصاية على الأولاد، أو أموالها، أو ممتلكاتها"، وهناك من قصر شرط الولاية في النكاح فقط، وبل ومنهم من نفى هذا الشرط أيضاً، فللمرأة أن تخطب من نفسها مباشرة، وأن تزوج نفسها بنفسها، فكيف وصل بنا الأمر إلى التوسع في قضية الولاية على المرأة حتى في أمورها الخاصة؟
تجدر الإشارة هنا إلى أن مسألة الولاية بجميع أشكالها ومراتبها، وكذلك تحديد الأولياء أنفسهم، والاختلاف فيهم تقديماً أو تأخيراً، لم يرد بها نص من القرآن أو السنة، وإنما اجتهاد فقهي صرف، وبالتالي فإن هذا الاجتهاد يكون بناء على ظروف ومشاكل المجتمع في ذلك الوقت، ولكن للأسف هناك من يعتبر هذه الأقوال وهذه الآراء أدلة شرعية على شرط الولاية على المرأة، مما يعطي إيحاءً للمتلقي بأن ذلك من الكتاب والسنة!.
فعلى سبيل المثال يقول ابن رشد -رحمه الله- في الرد على من يعترض على انعدام شرط الولي في النكاح وهو ما يقوله فقهاء الأحناف ما نصه: "لو كان في هذا كله شرع معروف، لنقل متواتراً، أو قريباً من التواتر، ومعلوم أنه كان في المدينة، من لا ولي لها ولم ينقل عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنه كان يعقد أنكحتهن، ولم ينصب لذلك من يعقدها".
فإذا كان هذا الاختلاف في شرط الولي في مسألة النكاح، والتي يعتبرها البعض من المسلمات الشرعية الثابتة التي لا يمكن مناقشتها أو نقدها، فكيف بباقي المسائل الأقل منها أهمية؟
الحقيقة التي لا يريد البعض الاعتراف بها، تتمثل في أن هناك نظرة دونية للمرأة فهي ناقصة الأهلية، ولا يحق لها الاستقلالية بكيانها وشخصيتها، وعلى هذا الأساس تصاغ التشريعات والأحكام.
قد يعترض البعض هنا ويقول: إن هناك أحاديث شريفة تتعلق بعدم خروج المرأة من البيت إلا بإذن زوجها، ولا تسافر المرأة إلا مع محرم لها، والنهي عن الاختلاط بين الجنسين، وعلى هذا الأساس يشترط إذن وحضور الولي لسفرها أو القيام بشؤونها الخاصة في الدوائر الحكومية".
وأقول: هذه الروايات لا تتعلق بشرط الولي من الأساس، ولكن لها مقاصد أخرى تتعلق بأمن المرأة وحمايتها، وهذا يختلف باختلاف الزمان والمكان، فاليوم تأمن المرأة على نفسها في السفر وبتطبيق الأنظمة والقوانين وهذه هي مقاصد الشريعة الأساسية، هذا من جانب.
ومن جانب آخر، ماذا إذا كان هذا الولي (الرجل) يعيش عقدة الحقارة وحب السيطرة أو يريد ممارسة إرهاب باسم الدين ضد المرأة في إطار الفتاوى الفقهية؟ فكم من امرأة عانت الابتزاز باسم الولاية؟ وكم من امرأة حرمت من حقوقها الأساسية باسم الولاية؟ وكم من امرأة سرقت أموالها باسم الولاية؟
وعندما تنادي المرأة بحقوقها، يقول البعض للأسف إن "أعداء الفضيلة وعباد الشهوات من الغرب ومن سعى سعيهم من المتغربين لم يكتفوا بذلك بل أرادوا لها أن تخلع ثوباً كساها الله لها من العفاف والستر لتزاحم الرجال في مجالات عملهم المختلفة، وأنماط حياتهم التي لا تصلح إلا لهم ولا يقوى عليها إلا هم" ..
فهل أصبحت المطالبة بالحقوق من عبادة الشهوات؟ والرضا بالظلم من شريعة الدين؟ أم أن ذلك دليل على العجز في إيجاد حلول لمشاكل المرأة الاجتماعية والاقتصادية؟