وفقاً لإحصائيات أصدرها معهد جنيف لحقوق الإنسان عام 2010، أكدت أن عدد المهاجرين عالمياً تجاوز الـ 200 مليون، وأنه إذا استمرت الهجرة على نفس الوتيرة قد يتجاوز عدد المهاجرين إلى 405 ملايين بحلول العام 2050 للميلاد، وهذه الأعداد الكبيرة من المهاجرين دعت المجتمع الدولي لإصدار اتفاقية دولية لحماية جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم وكان ذلك بتاريخ 18/12/1990، إلا أن هذه الاتفاقية لم تحظ بتأييد العديد من الدول ولم تصادق عليها سوى 44 دولة.

وعلى ما يبدو فإن الدول التي وقعت عليها هي الدول الأقل تأثراً من السلبيات الاقتصادية والأمنية من هجرة العمال ولم توقع عليها إلا لبنودها التي تضمن الحماية لمواطنيها الذين هجروها بحثاً عن أعمال في دول أخرى، وبالتالي فهي توقع على هذه الاتفاقية تشجيعاً لهم على الهجرة، ولما تجنيه من فوائد جراء ذلك تتمثل في تخفيف الضغط على سوق العمل لديها، بعكس الدول التي لم توقعها، فأنها ترفض توقيعها، ليس اعتراضا على بنودها التي تخدم الحقوق الإنسانية، بل حذراً من الأعباء الاقتصادية والأمنية التي تترتب عليها، ومن يراقب سوق العمل السعودي، وخاصة القطاع الخاص، فإنه يجد أننا من أكثر الدول اعتمادا على العمالة المهاجرة، سواء كانت هجرة شرعية أم غير شرعية، وهو ما يجعلنا نتساءل وبخاصة في ظل موقف بلادنا الأخير المتمثل في الحملة الأمنية لتعديل أوضاع سوق العمل والتأكد من تطبيق قوانين الإقامة؛ هل نحن بحاجة لتوقيع اتفاقية الهجرة الدولية؟ وهل هناك فائدة لوطننا في حالة توقيعنا على هذه الاتفاقية؟ هل نحن المستفيد الأول؟ أم المهاجر؟ أم أن الفائدة مشتركة؟

إن من يراجع السلبيات التي نتجت إثر الأعداد الكبيرة التي استقبلتها المملكة من العمالة وأفراد أسرهم فإنه سيجد العديد من الحلول التي نستطيع تفعيلها في حالة توقيعنا على الاتفاقية الدولية لحماية العمال المهاجرين وأسرهم الصادرة عام 1990، وكمثال على السلبيات التي يعاني منها المقيم القانوني أو المهاجر الشرعي إلينا، سياستنا تجاه المقيمين من مواليد السعودية، الذين قدم أجدادهم للعمل بالسعودية وولد أباؤهم هنا وأصبحت السعودية مسقط رؤسهم، ورددوا نشيدها الوطني مع أبنائنا، ومن ثم حين يكبرون ويبحثون عن عمل نعاملهم كعامل مهاجر للتو وصل من دولته دون أي قوانين تمنحه الأفضلية أو تدفعه للحصول على الجنسية، وقصة واقعية عايشتها لصديق مقيم بوطننا الغالي وهو من أصل عربي ولد بالسعودية وعاش طفولته بجازان برفقة والده الذي كان يعمل في المجال الصحي والذي تم الاستعانة به لخدمة الجيش السعودي في عهد الملك فيصل رحمه الله، وحينما كبر درس في جامعة الملك سعود وتخرج فيها وعمل في أبها والخبر والرياض، ولا يعرف عن الدولة التي يحمل جنسيتها، أكثر مما يعرفه عن السعودية؛ إلا أنه ورغم كل ذلك يتم التعامل معه كعامل قدم للتو إلى السعودية.

انضمامنا للدول الموقعة على الاتفاقية الدولية سيتكفل بوضع قوانين عالمية عادلة تكفل لنا ممارسة المزيد من العدالة تجاه هذه الفئة وبقوانين تتوافق مع رسالة مملكتنا.

إن ما ذكرته حول عدم اهتمامنا بالمقيمين من مواليد السعودية ليس سوى مثال لمشاكل هجرة العمال إلينا التي نستطيع حلها في حالة توقيعنا على هذه الاتفاقية التي تتضمن مواد وبنودا مهمة، كاستفادتنا من خبرة وتجربة الدول الموقعة في هذا الملف، ومن منظمة حقوق الإنسان في المسائل المتصلة بالعمال المهاجرين وأفراد أسرهم، ونستفيد من دراساتها وإدراكها لأثر تدفق موجات العمال المهاجرين على الدول، كما نقلل من العمالة المهاجرة بشكل غير قانوني من خلال برامجها التي تشجع الإجراءات الملائمة لمنع التنقلات السرية، والاتجار بالعمال المهاجرين الذين يزداد استغلالهم في التهريب وانتهاز إقامتهم غير الشرعية، وعدم حملهم لأوراق ثبوتية في تشغيلهم بأجر زهيد في انتهاك صريح للإنسانية من قبل بعض أرباب العمل ضعيفي النفوس وفي مخالفة جريئة لقوانين العمل والعمال السعودي.

إن قوانينا تمنع من الأساس أن يعمل العمال غير الحائزين للوثائق اللازمة أو الذين هم في وضع غير نظامي بـأي شكل من الأشكال، ورغم ذلك نجد من يبحث عنهم تحت إغراء أجرهم الزهيد وشروطهم الأقل من شروط عمل العمال النظاميين، ولذلك فإن توقيعنا على اتفاقية الهجرة الدولية قد يمنحنا الكثير من الخبرات والتجارب والاستشارات التي تساعدنا على سن قوانين تمنح وطننا المزيد من القوة والصرامة في التعامل مع العمالة غير القانونية، والمزيد من الاحتراف في التعامل مع العمالة النظامية التي تعد شريكا أساسيا في دفع عجلة التنمية بوطننا الغالي.