يحفل الكتاب المهم "العرب وجهة نظر يابانية"، لصاحبه نوبواكي نوتوهارا بالكثير، الكتاب تسجيل لشهادة قدمها رجل من الشرق الأقصى، قضى أربعين عاماً من عمره، عيشاً وبحثاً، في اللغة العربية وإنسانها وبعض أمكنتها. تحدث نوبواكي عن الكوارث والتأزمات التي يحملها العربي، في تكوينه، وينوء بها على كاهله؛ ما تنتجه الفوضى وانعدام المسؤولية وخرق القانون، حتى في أبسط سلوكياته في الشارع، رداءة التنمية، الأنا المشوهة المأزومة تجاه نفسها وتجاه الآخر، الشخصية المزدوجة في مواجهة إحساسها بالظلم... إلخ.
هل هناك من انتبه؟ بين كل ما يدور بهذا الزمن أجد التجربة الإماراتية لائقة جداً بالتقدير، ولديها المقومات والقدرة على النمو والاستمرار، إنها تربي حزم القانون والمسؤولية والعمل، تتيح اختلاف الثقافات وممارستها، وتتمسك عمليا بسياق العالم الحي، فبقدر ما تحصل عليه من الخيارات ورفاه التنمية، بقدر ما يلزمك من الامتثال للقانون وصرامة المسؤولية. مثلا؛ أنت ملزم للتصرف وفق نظام متحضر، فحتى لو كنت جاهلا أو وجيها أو فظيعا، فإنك لن تجد تهاونا في معاملتك بالقانون، وذلك مقابل أنك لا تعاني، في الغالب، من قصور في الخدمة وحفظ حقوقك، سواء أكنت مواطنا أم مقيما. هذه التنمية والتعددية والقانون تصبح طبيعة حياة في وعي الناس.
قبل ثمان وأربعين سنة، في العدد 96 نوفمبر 1966 كتبت مجلة العربي: "كان هدفنا مقصورا على زياة دبي، لأنها الإمارة الوحيدة التي مسها التطور والتغيير، بدرجة ذات بال، خلال السنوات الماضية.. كانت تفتقر إلى مطار، فأصبح لها مطار يستقبل أكبر الطائرات وأحدثها.. كان خليجها معتما حزينا، فأصبح مضيئا سعيدا تتمايل القوارب على مياهه". دبي اليوم تهيئ نفسها لاستقبال "إكسبو 2020".
أبوظبي قبل أيام اختتمت هيئتها للتراث والثقافة والسياحة معرض الكتاب الدولي، في دورته الرابعة والعشرين، بعد أن احتضنت الجوائز وقدمتها، واشتغلت على المشروع البارع "كلمة" للترجمة، الذي قدم ثمائن الترجمات، ثم ها هو متحف اللوفر سيقوم في هذه المدينة، سيفتتح في ديسمبر المقبل من هذا العام. لوران فابيوس، وزير الخارجية الفرنسي - في تصريح لوكالة أنباء الإمارات – قال "إن متحف لوفر أبوظبي سيحمل جميع المواصفات العالمية التي ستجعل منه متحفا عالميا يقصده زواره من كل دول العالم".
قبل عقود قليلة من الزمن، لم يكن أحد ليصدق أن بلدانا، في شبه الجزيرة العربية، لا توصم إلا بالبداوة والعزلة عن العالم، ستصبح مراكز فاعلة في حركة الثقافة والتحضر والمال، إن في محيطها، وإن في العالم.
إن لدى بلدان الخليج اليوم، الفرصة والإمكانات، لتكون طرفا حقيقيا في خلق مستقبل أفضل لشعوبها، وهذا حتما يبدأ من علاجها لمشكل، يجب تداركه، هو الإنسان، الإنسان.. مكان التاريخ وزمانه.