هي جنوب أفريقيا لكنني وسط انجذابي وإعجابي بما شاهدته فيها سميتها "جذوب أفريقيا"، والسفر في مختلف الاتجاهات والأزمان أحد أبرز هواياتي القديمة والمستمرة وأكاد أزعم أنني سافرت إلى معظم مدن وقارات العالم إلا اللمم.
وفي هذه المرة حزمت أمري واتجهت إلى جنوب أفريقيا مع مجموعة من أصدقاء وزملاء الدراسة. لم أكن متحمساً من قبل لزيارة جنوب أفريقيا لقد كنت أضعها ضمن اختياراتي لكنني كنت في كل مرة أؤجلها وأنحيها وأستبدلها بغيرها ربما لأنها أفريقيا وما ترسخ عندي من الانطباع السلبي الــSTEREO TIBE السائد عن العالم الثالث.
لكن إلحاح الأصدقاء والزملاء عبدالله العميل وأحمد العبدالكريم وعبدالمحسن الماضي وناصر الضويان وعثمان العبدالكريم وهم الذين سبق أن قاموا مجتمعين بنفس الرحلة في العام الماضي ثم تحفيزهم وتشجيعهم جعلني أنا وخالد البانمي نوافق ونصحبهم في هذا العام في رحلة لا تنسى جعلتني أغير انطباعاتي بالشكل الذي جعل جنوب أفريقيا تجذبني وتخرج لي لسانها وتقول لي: إنها غير!.
والأكيد أن هذه المتعة قد تحققت بسبب التنظيم الجيد والمتقن لهذه الرحلة بقيادة صديقنا رجل الأعمال الأستاذ عبدالله العميل الذي استثمر بعض أمواله قبل سنوات في شراء محمية للصيد تبلغ مساحتها 155 كيلو متر مربع وبها 24 نوعا من حيوانات الصيد وتضاريس متنوعة ومحاطة بسياج حديدي طوله 52 كم وبها سكن يضم ستة شاليهات تستوعب إلى 16 زائراً ويعمل بالمحمية 12 موظفاً في مختلف تخصصات الفندقة يعملون على راحة النزلاء وخدمة الغرف والإعاشة.
عندما وصلنا إلى مطار جوهانسبرج غادرناها بالطائرة الصغيرة إلى مدينة ابنقتون ومنها بالسيارة إلى المحمية التي تعرف تحت اسمها الرسمي SAFARIS F.M سفاري إف.إم وهي التي تبعد عن المطار مسافة سبعين كيلو متر.
محمية عبدالله العميل عبارة عن سفاري للحيوانات غير المتوحشة مثل النعام والظباء والغزلان والزراف والحمير الوحشية، وقد مارسنا الصيد في المحمية بعد أن تلقينا دورة قصيرة في استخدام سلاح الصيد؛ حيث تتوفر منصات للتدريب وتوضع على البعد صورة الحيوان المستهدف مع وجود دوائر توضح أين تصيبه في مقتل، في اليوم الأول لوصولنا إلى هناك انطلقنا في الصباح الباكر نبحث عن الطرائد، وقد أتيح لكل عضو في المجموعة أن يصيد فريستين خلال فترة إقامتنا، ومن تقاليد الصيد هناك أنك إذا صوبت نحو الطريدة وأصبتها في جسمها في غير مقتل فإنك ملزم بمتابعتها مع الدليل الذي يقص الأثر حتى تجهز عليها أو تنتظر وفاتها، ثم يتم من بعد ذلك جرها ثم رفعها إلى السيارة وعند العودة إلى مقر الإقامة يتم سلخها وتخزين لحمها في الثلاجة فيما يتم تجفيف بعض لحومها، الذي يعرف عندنا بالقفر وهو اللحم المقدد.
يتم في المحمية تقديم خدمات الإعاشة على مستوى فنادق الخمس نجوم حيث الهدوء والبعد عن صخب المدن وضجيجها ورغم توفر التلفزيون والإنترنت إلا أننا كنا ننام مبكراً جداً بسبب إنهاك رحلات الصيد بسبب الاستيقاظ المبكر والسير على الأقدام بقصد التريض أو في حالة البحث عن الطريدة.
يدير المحمية السيد بيتر وهو رجل أبيض من أصول إنجليزية لكنه ولد في زيمبابوي، وعاش في جنوب أفريقيا واكتسب جنسيتها ويساعده ابنه رولاند كما يعمل في خدمات الطبخ والنظافة نساء من جنوب أفريقيا من ذوات البشرة السمراء تحت إدارة زوجة الابن واسمها موراي، وفي سيارة الصيد يرافقنا دائما أحد أبناء المنطقة السمر وهم يملكون حواس دقيقة جدا مثل حدة البصر والسمع، حيث يخبرنا فوراً بعد أن نرمي الطريدة على بعد 350 أو 400 متر أنها أصيبت ويحدد مكان الطلقة بعينه المجردة، وإن حدث وأصيبت الطريدة في جسمها ولكن في غير مقتل فإنها تبدأ بالجري وهي تنزف دماً ونستمر في متابعتها بالسيارة وسط الأحراش، لكن هذا الرجل الدليل يعرف طريق الضحية ومكانها من قطرة دم يلمحها على إحدى السنابل أو على ورقة في شجرة مليئة بمئات الأوراق، ويتم هذا الفرز العجيب والسيارة تمشي وليست متوقفة لكنه يتابع حتى يطلب من السائق الوقوف ثم ينزل الدليل وبصحبته الشخص الذي صوب الطريدة ليتابعان السير بالأقدام حتى الوصول إلى مكان الطريدة التي قد تكون واقفة وتنزف لكنها قادرة على المسير، ولهذا يأمرنا الدليل بالوقوف عن بعد يقارب الـ 200 متر أو 250 متراً ثم معاودة التصويب عليها مرة أخرى للإجهاز عليها نهائياً.
هؤلاء الأدلاء من الرجال مثل المريّة – بتشديد الياء- المعروفين في الجزيرة العربية الذين يقصون الأثر واشتهروا بهذا الاسم نسبة لقبيلة بني مُرّة.
- يتبع -