يحتاج المشهد الثقافي السعودي لقنبلة نووية حتى يمكنه إنجاز كتابة مختلفة وحراك حيوي يرقى لمستوى استحقاقاتنا الحضارية وتحدياتنا الإنسانية الأخرى. هذا على افتراض أن ثمة أملاً يمكن العمل عليه أو مراكمته ببصيص كتابة أو قراءة مغايرة تبهج أو تشحن بالغد. قسما لا أحاول إشاعة جنائزيات نقدية ولا نواحات الثقافة المعتادة. كما لا أنطلق من موقف ضدي حاد لا يرى فيما يرى أشياء إيجابية، لكن ما يحدث كلياً مؤسف وباعث على اللا جدوى، فالكتابة تحولت لـ"نزهة شاي" على النمط الإنجليزي بقليل من "البسكويتات المعرفية". أهلا بك في أكثر المجتمعات فقراً في التشجيع على الكتابة وإنتاج المواهب، وسطه الثقافي يخوض حفلة كوكتيل وتبادل "بيزنس كارد" ضخمة. دور النشر تحولت إلى مشاريع لـ"تسليم المفتاح" الإبداعي، وشعارات السوق "الاسم عليك والباقي علينا"، "اتصل نصل" في الكتابة والنشر والتوزيع والترويج، "كيف تصبح كاتبا مهماً في ثانيتين؟". نقاد بلا نقد، وإن كتبوا غرقوا في تجريديات الهلاوس أو مشاحنة منافسين في الأغلب هم أصدقاؤهم القدامى. شعراء بلا شعر. روائيون بلا رواية. "كاردينالات الوهم" تحاول إعطاء مباركاتها التافهة لكل شظية موهبية عابرة. نخب مشغولة بتجميع "الفلوورز". كاتبات مهووسات بمعارك "الاستحواذات المنفعية" وتبريكات منظمات كارتونية. مراكز بحث لا تبحث، مكتبات لا تكتب ولا تتبنى من يكتب، محاضرون لا يحاضرون وبرامج ثقافية وعظية مباشرة بعناوين ميتة يقترحها مستشارون يجمعون ضيوفهم من مشاهداتهم التلفزيونية. مجلات جامعية لا يقرؤها أحد، أقسام بلا خريجين، وأساتذة بلا مشاريع، مؤسسات بيروقراطية مترهلة، أندية أدبية يتجادل أعضاؤها في المحاكم أكثر من سجالاتهم في قاعات أنديتهم ومنصاتها، والذين يكتبوا بشيء من الموهبة يقضون نهاراتهم الإلكترونية بتقبيل أقدام المؤسسات الثقافية المجاورة والمهرجانات الإبداعية الرديئة، أملاً في انتزاع دعوة أو لعق شهادة مدائحية من أسماء وجهات أقل شأنا وقيمة. مزاج عام مهيمن شديد الأبوية، مناخ مشدود للماضي يجيد النواح ويتبارى في إشاعة العموميات. مهادن طيع شخصاني مأزوم مهزوم تتحكم به غرائزيات المناطقية والجهويات، يعيش فصاما انتشائيا غروريا يعيد إنتاج المنتج، وتكرير المكرر وتصدير المعروف واستيراد الهزيل الشكلي، يشيد بالناقص ويمتدح العزلات الموتية، ينطق بالمتوقع ويجادل في البديهي، يشاكل المشاكس، يتألف مع المزيف، يمجد المأساة، استبدل الأسئلة بالإجابات، توقف عن الكتابة والقراءة والنقاش، لاذت صفحاته بالنشرات الصحفية الجاهزة ومكاتب المراسلات مسبقة الدفع التحريري وأخبار أقسام العلاقات العامة، يتوهم النخبوية، يغازل الشعبوية، فيما ملاحقه تعاني موتا إكلينيكا شديد التحقق منذ سنوات وتكافح مطبوعاته القليلة على أجهزة التنفس الاصطناعي وفي انتظار تغير هذا الوضع سيكون علينا الانتظار طويلا والترقب بلهفة كبيرة، وقبل هذا كله الكتابة بشكل مختلف بدافع المواهب الأصيلة وطاقة المشاغبة الحقيقية التي تكتب كما تفكر، وتفكر دون خوف الوصايات ومحاجر الأفكار الجاهزة.