ماذا أقصد بالأماكن السيئة؟ كمسلمين تعتبر الأماكن سيئة إذا كان يرتكب فيها ما يغضب الله كشرب الخمر مثلاً وهو ما لا يتفق معنا غير المسلمين فيه، لكنهم بلا شك ونحن معهم نعتبر كل مكان غير نظيف وغير صحي مكاناً سيئاً.
بالنسبة لما نختلف فيه أعني أماكن شرب الخمر مثلاً، ذلك لأن بعض الدول مسلمة تحرم الخمر وبريطانيا دولة لا دينية، وتأكيداً لذلك قبل شهر تقريباً غضب المثقفون البريطانيون من إشارة رئيس الوزراء إلى مسيحية بريطانيا، وسجلوا خطاب اعتراض وهددوا هم وجمع من أساتذة الجامعات بالويل والثبور لكل من يتجاوز حدوده ويتعرض لعلمانية بريطانيا وديموقراطيتها التي لا تؤطرها ديانة، فبريطانيا كانت وما زالت لكل الأديان ولمن لا يؤمن بالأديان، ولا يمكن أن تعود خطوة، حيث كان الناس يزعمون أن الوطن لمواطن دون آخر لمجرد انتمائه الديني.
في الحقيقة، إن ذلك يحفظ سعادة الشعب البريطاني المختلف الأطياف ويرفع الوطن لدرجة يكون فيها قريباً ومنتمياً للجميع، وعلى المواطنين أن يحترموا حق غيرهم وخياراتهم، حتى لو كانوا يظنون أن دينهم يحرمها مثل الأندية الليلية وأماكن الشرب، فالمسلم البريطاني يعتبرها أماكن سيئة بالنسبة له، لكنه يحترم حق غيره في ارتيادها، وقد يعيش ويموت وهو لم يدخل أحدها أو يعرف شكلها استجابة لأوامر دينه، ولا ينقص ذلك من سعادته بالحياة في موطنه بريطانيا أو شعوره بالأمان عندما يربي أبناءه فيها.
وبمناسبة هذه الأماكن قرأت لأحد الأفاضل، الذي يلقبه أتباعه بالشيخ، ولست واثقة من هذه "المشيخة"، خاصة في هذه الأيام التي أصبح من السهل الحصول على الألقاب فيها، يقول الشيخ نقلاً عن صديق له يعمل في لندن، إن معظم زائرات الأماكن السيئة في لندن مثل الأندية الليلية وأماكن الشرب خليجيات وحدد جنسيتين!
في الواقع أنك تتساءل: كيف عرف هذا الرجل بهذا الوجود، وكيف أحصاه؟ بالطبع لن نقول إنه من روادها -أي الأماكن السابقة- لأنه مزكى من قبل الفاضل "التويتري" وهو صديقه؛ لذا دعونا نقول إنه ربما كان يقف بالباب ومعه دفتر حضور وانصراف يسجل فيه الجنسية والعمر!
بالنسبة لما نتفق على أنه سيئ فعلاً، وأعني به الأماكن القذرة، التي لا تحفل بالنظافة والصحة والتي يعتبرها العالم أجمع سيئة، ربما تكون مرمى النفايات في بلدان أخرى، لكن في بعض مدننا حتى استراحات ومحطات الطرق السريعة تعتبر أماكن سيئة، هل شعرت بالأسى يوماً على نفسك وأنت مضطر لاستخدامها بسبب كونها معلماً للقبح والقذارة ورداءة المكان؟ رغم أن صاحبها قد يكسب الملايين! وبمناسبة الملايين أذكر في آخر زيارة لي لجدة كان صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل ما زال أميراً عليها، وصادف أن أغلق بحزم إحدى استراحات الطريق إلى مكة لعدم ارتقاء صاحبها بالخدمات التي يقدمها لشرف المكان وشرف الزوار من الحجاج والمعتمرين.
يومها أعجبني قرار الأمير وأعجبني إغلاق تلك المحطة الكبيرة بكل حزم، لكن كان هناك من أسميهم حزب "السيد عاطفي"، الذي يظل طوال عمره يشكو من إهمال الطرق وعدم محاسبة رجال الأعمال؛ فإذا فعلت الدولة برزت للناس عاطفيته وقال: حرام سامحوه، كيف يغلقون باب رزقه!
"السيد عاطفي" للأسف معول هدم في بلادنا وسبب لعدم تقدمنا التقدم الذي نستحقه بسبب رفضه للقرارات الحازمة المصيرية في حياة الشعوب.
في بريطانيا لن تجد "السيد عاطفي"، فرغم أن الشعب يدفع ضرائب وقدرها يتجاوز العشرة آلاف سنوياً على البيت، فقط لمجرد أن تأتي البلدية وتأخذ النفايات من أمام بيتك، وهي نفايات يجب أن تكون قد صنفتها، فما يمكن إعادة تصنيعه في أكياس بيضاء، وما لا يمكن أكياس سوداء، ولا تفكر أن تلقي مثلاً دراجة ولدك القديمة لتأتي سيارة النظافة لأخذها، بل عليك أن تذهب بنفسك لمرمى النفايات وتلقيها هناك، أعتقد أن "السيد عاطفي" لو عاش في لندن لقتل نفسه استياءً لكن الأمور لا تسير بالعواطف، وبخاصة تحضر الشعوب ورقيها.
ودعوني أصف لكم هذا المرمى الذي ربما تظنه يشبه منطقة الخمرة في جدة، حيث تأتي الشركات وتلقي مخلفاتها دون حسيب أو رقيب.
في الواقع إن الطريق للمرمى يمر وسط طريق زراعي أخضر وغابات جميلة لتجد أمامك سور كبير يقف على بوابته رجل بزي رسمي يدخلك بموجب بطاقة تثبت سكنك في المنطقة، لتصعد بسيارتك لمرتفع، حيث تجد حاويات ضخمة ملونة ومصنفة؛ حاوية للحديد، حاوية للأخشاب، وحاوية للخردوات المشكلة.. إلخ، وستجد موظفاً يتأكد من وضعك لكل شيء في مكانه حتى لا تفسد الترتيب والتنظيم الإنجليزي.
من السهل أن نفعل مثلهم ولدينا قيادات ترغب وتستطيع نقل تجربتهم لبلادنا، فلا شيء ينقصنا لنكون أفضل منهم.