منذ 15 نوفمبر 2012 التاريخ الذي توقفت فيه جريدة (الندوة) نهائيا عن الصدور بعد عطاء استمر أكثر من 50 عاما، ظل المجتمع السعودي، (المكي) تحديدا، يترقب ظهور الصحيفة البديلة (مكة) التي شكلت بإحلالها بديلا لـ"الندوة" منعطفا جديدا في مسيرة الصحافة السعودية الحديثة، لعدة اعتبارات، أولها الارتباط الوجداني لأهالي العاصمة المقدسة منذ لحظات تأسيسها على يد الأديب والصحفي أحمد السباعي عام 1378 قبل أن تدمج بعد نشأتها بثلاثة أشهر مع صحيفة حراء لصاحبها صالح جمال، وتحتفظ باسمها (الندوة) الذي يذهب بعض المراقبين إلى اعتباره بمثابة "لعنة" ظلت تلاحق الصحيفة أسهمت في إخفاقها، وهو ما دفع "الملاك الجدد" إلى إعادة هيكلتها، من جديد، وتأسيس صحيفة أخرى تحمل اسم المدينة "مكة المكرمة" التي يدشنها مساء غد في مقر جامعة أم القرى بالعابدية أمير مكة المكرمة الأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز، في أول ظهور رسمي له عقب توليه إمارة المنطقة، وهو ما يعتبره عدد من منسوبي الصحيفة حدثا مهما وتاريخيا للصحيفة الوليدة، يتفاءلون به، في ظل رؤى وتكهنات يتداولها العالم حول مصير ومستقبل "الصحف الورقية".
صحيفة "مكة المكرمة" التي يتولى رئاسة تحريرها أكاديمي عرف كأحد أهم عرابي النقد الأدبي الحديث وصاحب تجربة صحفية احترافية الدكتور عثمان الصيني، فطنت لهذه التخوفات، وقالت إنها: استلهمت محاكاة الصورة التلفزيونية وسعت لتوظيفها ورقياً في محاولة لكسر الرتابة الصحفية الكلاسيكية، ونهجت في هذا المنحى تجربة أحدث إصدارات الصحف العالمية باختلاف مشاربها ومدارسها الصحفية، مرتئيةً أن تبدأ من حيث انتهى الآخرون بغية تحقيق أطر صحفية واضحة لتنشيط الواقع الورقي المتآكل، على حد أقوال مسؤوليها الذين لم يترددوا في الإفصاح عن أن "الصحيفة تواكب أبرز المتغيرات التي لحقت بالصحافة الورقية والإلكترونية في العقد الأخير، والتحول من القشور إلى العمق لطرح الفكرة وتعميق مفهومها، ومناقشتها من جميع الزوايا، وتجنيد المئات من الصحفيين والمصورين والمدققين اللغويين والمخرجين على مدار الساعة لملاحقة الحدث أينما كان، وفق معايير صحفية مهنية".
صحيفة مكة المكرمة أحدث الصحف السعودية صدورًا، والتي ستواجه مأزق إزالة الصورة الذهنية المرتبطة بصحيفة (الندوة) سابقا، عاشت خططا تطويرية منذ ما يربو على العام، انطلقت فيها وفق معايير مهنية متقدمة - طبقا لمسؤوليها - واستعانت بأحدث ما توصلت إليه الصحافة الحديثة من منهجية متجددة، سعيا لتقديم نظرتها الصحفية الجديدة مدعومةً بنظرة شمولية ترتكز على المعلومة والخبر في قالب معرفي جديد.
وبين لحظة التدشين غدا التي سيحضرها "ابن مكة" وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة، ولحظة الترقب لإطلالة العدد الأول يظل المكيون القدامى الذين ارتبطوا بالندوة منذ أن برر تسميتها مؤسسها السباعي في افتتاحية العدد الأول لها بقوله إنه اختار الندوة (لأنها كانت شعارا لأول دار عرفتها العرب تألقت فيها اليقظة وأول دار نهضة لمع فيها مجد بني يعرب) يتطلعون إلى صحيفتهم المنتظرة، التي تظهر في واقع جديد، محفوف بالمتغيرات، متسائلين عن كيف تقدم الصحيفة نفسها للـ"الأجيال الجديدة"، وهل يمكن أن تستعيد "الوهج القديم" الذي كانت تمثله الصحافة في المدينة التي كانت موقعا لانطلاق مهنة الصحافة منذ عام 1924، إبان صحف "الحجاز"، "القبلة"، "بريد الحجاز"، "مجلة مدرسة جرول الزراعية"؟ وبالتالي تستعيد دورها المحوري والتاريخي في بلورة القضايا المصيرية والمجتمعية، ومساعدة القارئ في الحصول على مادة صحفية مختلفة تحملها الأدوات المعرفية والرقمية الحديثة.
إجابات مثل هذه الأسئلة، ضمنتها الصحيفة في بيان لها، بثته "واس" أمس ذكرت فيه: أنها جلبت ضمن خطواتها التطويرية المتلاحقة أفضل الكفاءات الصحفية والنخبوية من الصحف السعودية والعربية والدولية، وغذتها بأسطول إعلامي جديد من المتخصصين وأرباب الفكر، الذين تلقوا دورات تدريبية مكثفة لتعزيز قدراتهم المهنية واستثمارها مهارياً في خدمة القارئ.
وتراهن الصحيفة التي ستمثل الرقم الحادي عشر بين الصحف السعودية الصادرة بالعربية على تقديم مفاهيم صحفية متجددة تعنى بالمصداقية والتوثيق والتحري والاستقصاء وعمق الطرح، والتماس مع جميع القضايا الاستراتيجية والوطنية والتفاعل معها، والمنافحة عن القضايا المصيرية التي تدفع نحو الوحدة الوطنية.