في الأسبوع الماضي أوردت جريدة "الحياة" أن إمام وخطيب جامع الأمير خالد بن سعود في الرياض وعضو لجنة المناصحة الشيخ عبدالله السويلم شدد على أن: "السفر إلى بلاد الكفار محرم نهائيا"، محذرا المسافرين من: "أنه يخشى على من مات في بلاد الكفار أن يدخل النار".

ونسأل فضيلة الشيخ: هل الموت في بلاد المسلمين فقط، مثل أفغانستان واليمن والعراق وسورية، يفتح لشبابنا المغرر بهم أبواب الجنة؟ وهل لفضيلته أن يفيدنا بمدى أحقية أصحاب فتاوى الجهاد بنعيم الجنة، خاصة وأن هذه الفتاوى صادرة عبر الفضائيات المصنوعة في بلاد "الكفار"، أو يتم بثها على شبكات التواصل الاجتماعي، مثل "تويتر" و"فيسبوك" المملوكة أيضا لرجال الأعمال في بلاد "الكفار"؟

ودعونا نستوضح من فضيلة الشيخ عن قصده ببلاد "الكفار"؟ فهل هي الدول التي صنعت بعقول أبنائها "الكفار" الملابس التي يرتديها والسيارة التي يمتطيها والطائرة التي يسافر عليها؟ أم هي الدول التي أنتجت بسواعد خبرائها "الكفار" الغذاء الذي يأكله والدواء الذي يتناوله والمياه التي يشربها؟ أم هي الدول التي اخترع علماؤها "الكفار" أجهزة الجوال التي يستخدمها، ومكبرات الصوت التي يلقي خطب الجمعة والأعياد من خلالها، والمرئيات التي يتحدث ويفتي عبر أثيرها؟

أليست بلاد "الكفار" تمثل مجموعة الدول المتقدمة، التي أثرت قريتنا الكونية بأبحاثها وعلومها وتقنياتها واختراعاتها، لتستفيد شعوبنا الإسلامية من منتجاتها وخدماتها، ويتطلع أبناؤنا للابتعاث إلى جامعاتها ومراكز أبحاثها؟ أليست هي تلك الدول المميزة في الهندسة والطب والصيدلة لنلجأ إلى مستشفياتها ومصحاتها للعلاج على أيدي أطبائها وخبرائها؟ أليست هي نفس الدول التي فتحت أبوابها لاستقبالنا واحترمت شرائعنا وعقيدتنا، فسمحت لنا ببناء مساجدنا بجانب كنائسها وممارسة عاداتنا وتقاليدنا في شوارعها وحدائقها وفنادقها وأسواقها؟

ألا تعلم يا فضيلة الشيخ أن الإسلام اليوم، بفضل من الله تعالى فقط، أصبح أكثر الأديان انتشارا في بلاد "الكفار"، ليرتفع عدد المسلمين إلى 30 مليونا في أوروبا و23 مليونا في الصين و13 مليونا في روسيا و9 ملايين في أميركا. ألم تطلع يا فضيلة الشيخ على تقرير معهد "غاتيستون" البريطاني، الصادر قبل ثلاثة أشهر تحت عنوان "النمو السريع للإسلام في الغرب"، الذي اعترف صراحة بأن أعداد المساجد بدأت تنافس أعداد الكنائس في كل من مدن باريس وروما ولندن "الكافرة"، وأن القرآن الكريم المترجم أصبح من أكثر الكتب رواجا في المكتبات الأوروبية "الملحدة"، وأن عدد المسيحيين في بريطانيا وحدها تراجع خلال العقد الماضي بنسبة 11%، بينما ارتفع عدد المسلمين خلال نفس الفترة بمعدل 80%، ليشكل المسلمون اليوم ما نسبته 10% من عدد سكان هذا البلد "الكافر".

ألم تقرأ يا فضيلة الشيخ الإحصاءات الرسمية الصادرة عن منظمات العالم الإسلامي، التي أكدت ـ بكل فخر واعتزاز ـ أن أعداد المساجد في بلاد "الكفار" تتزايد كل عام بوتيرة متسارعة، حيث تم خلال السنوات العشر الماضية بناء أكثر من 1200 مسجد في أميركا، وأن معظم الذين يعتنقون الإسلام في بلاد "الكفار" يتحولون إلى أفضل دعاة للإسلام، لقناعتهم وعمق إيمانهم وغزارة علمهم وتنوع ثقافتهم، فيرتقون بمصداقية لمستويات رفيعة من الإيمان؛ لحرصهم على نبذ الفرقة ورفض العنف وصد الفتاوى المشبوهة المستخدمة في التغرير والتكفير والتوريط. ونتيجة لتمسك هؤلاء الدعاة المسلمين في بلاد "الكفار" بالصراط المستقيم والوسطية والموعظة الحسنة، تراجعت نسبة شعوب بلادهم الذين يجهلون قيمة الإسلام من 44% في عام 2003 إلى 36% في عام 2013، وازدادت نسبة الذين ازداد احترامهم لمسلمي أوروبا وأميركا من 51% إلى 55%، لتتضاعف المعرفة بحقيقة الإسلام بنسبة 49% في بلاد "الكفار".

أليس من الأجدى لدعاتنا الأفاضل أن يشجعوا أجيالنا على الاجتهاد في طلب العلم واكتساب المعرفة ونقل التقنية من بلاد "الكفار" بدلا من التغرير بهم للجهاد في دول الإسلام؟، أليس من الأفضل لدعاتنا أن يطالبوا شبابنا بضرورة الإخلاص للوطن من خلال الإتقان في أعمالهم والإبداع في أبحاثهم ونهل المعرفة من أقرانهم في أرض الله الواسعة بدلا من ثني عزائمهم عن الانتشار في مناكبها بحجة أن موتهم في بلاد "الكفار" قد يكون مصيره النار؟

أوليس من المعروف أن يوجه دعاتنا فتاواهم لتشجيع قطاع أعمالنا على الاستثمار في أوطاننا لتشييد مصانعنا وتوظيف أبنائنا وتوفير احتياجاتنا بدلا من استيرادها من بلاد "الكفار"؟ ولماذا يغيب على دعاتنا إصدار الفتاوى الهادفة لتخفيض نسبة الفقر بين شعوبنا الإسلامية التي فاقت 42%، وتوجيهنا للقضاء على نسبة البطالة في مجتمعاتنا التي زادت عن 34% بدلا من دفع شبابنا العاطل للهجرة إلى بلاد "الكفار" طلبا للرزق بسبب تقصيرنا، أو التغرير بهم للجهاد في دول الإسلام بحجة دخول الجنة؟.

ألا يستغرب دعاتنا من إلصاق بلاد "الكفار" تهمة الإرهاب بشعوبنا، خاصة وأن ديننا الحنيف كان أول من اجتث جذوره وأنزل العقاب الصارم بأصوله وفروعه؟ ألا يضير دعاتنا مطالب دول "الكفار" بضرورة تعديل مناهجنا ورفع مستوى الفكر والمعرفة لدى أبنائنا، خاصة وأن أجدادنا من علماء المسلمين كانوا أول من أرسى علوم الطب والرياضيات، وأفضل من كشف أسرار الكون وانكسار الضوء وحركة النجوم؟

آنذاك، رضي الله عنا نتيجة صدق إيماننا، وسماحة معشرنا، وزهد دعاتنا، فاحترمَنا العالم، ولحقت بركابنا شعوب الأرض، وارتوت من أفكارنا ثقافات بلاد "الكفار".

على دعاتنا أن يقتنعوا بأن الجنة ليست رهن فتواهم.