أفتت دار الإفتاء المصرية أمس، بجواز منع الأب لابنه من السفر للجهاد خارج الوطن، مشددة على أن الجهاد من فروض الكفايات التى يناط تنظيمها بولاة الأمر ومؤسسات الدولة وليس الأفراد أو العامة، إذ إن ولاة الأمر الأقدر على حساب المآلات والنتائج والمصالح.

وأكدت الإفتاء المصرية أن للجهاد في الإسلام غايةً إنسانيةً ساميةً، وحكمة إلهية عادلة وهي دفع الظلم والعدوان عن المظلومين، وحماية حق الإنسان في معرفة الدين الحق وحرية اعتناقه؛ وذلك بعد نشر دعوة الإسلام والتعريف بحقائق الدين لمن لم يصل إليه.

جاءت فتوى دار الإفتاء المصرية لبيان مفهوم الجهاد في سبيل الله، وهل يجوز منع الابن من الذهاب إلى الجهاد في سبيل الله سواء أكان في سورية أو العراق أو الشيشان أو أفغانستان أو فلسطين المحتلة؟ وهل الجهاد في الوقت الحالي فرض عين؟ وهل موقف أحد الوالدين في منع الابن من ذلك موقف شرعي أو أنه خروج عن طاعة الله عز وجل، ومنع من إقامة الفرائض الشرعية كما يقول الابن؟ وبينت دار الإفتاء أن مُصطلح الجهاد في سبيل الله قد يستخدم ـ كما في كتب الأخلاق والرِّقاق ـ بمفهوم أوسع بما يشمل مجاهدة النفس والهوى والشيطان.

وأكدت الفتوي أنه يجوز للأب أن يمنع ابنه من السفر بغرض الجهاد، ولا إثم عليه في ذلك، ويجب على الابن المذكور طاعة أبيه ، لما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما ـ وبَوَّب عليه البخاري باب لا يجاهد إلا بإذن الأبوين ـ عن عبدالله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ أن رجلا جاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يستأذنه في الجهاد فقال: "أحي والداك؟" قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهِد".

وأوضحت الفتوى أن الجهاد ـ الذي هو القتال ـ هو في الأصل من فروض الكفايات، لا بد أن يكون تحت راية ويعود أمر تنظيمه إلى ولاة الأمور ومؤسسات الدولة المختصة، الذين ولاهم الله تعالى أمر البلاد والعباد، وجعلهم أقدر من غيرهم على معرفة مآلات هذه القرارت المصيرية، إذ ينظرون في مدى الضرورة التي تدعو إليه من صدِّ عُدوان أو دَفع طُغيان، فيكون قرارهم مدروسا دراسة صحيحة فيها الموازنة الدقيقة بين المصالح والمفاسد، بلا سطحية أو غوغائية أو عاطفة خرقاء لا يحكمها الحكمة أو زمام التعقل.

وأوضحت الإفتاء االمصرية أنه ليس لأحد أن يبادر بالجهاد بنفسه دون مراعاة تلك الضوابط والشروط؛ لأنه لو كُلِّف مجموع الناس بالخروج فُرادى من غير استنفارهم مِن قِبَل ولي الأمر لتعطلت مصالح الخلق واضطربت معايشهم، وقد قال تعالى: ?وما كانَ المُؤمِنونَ ليَنفِروا كافَّةً? ، مع ما في هذا التصرف مِن التَّقَحُّم في الهلكة دون مكسب مذكور، مع ما يترتب على ذلك من إهمال العواقب والدخول في الفتن العمياء والنزاعات المهلكة.