حتما هناك منجزات كثيرة تحققت، وحتما هناك تقصير وإهمال وفساد، وحتما هناك أيضا من لا يتحمل مسؤوليته ويؤدي واجبه كما ينبغي، وكلنا يدرك أن عيوبنا ونواقصنا ليست قليلة، لكن البعض يرى – ربما عن عمدٍ - نصف الكوب الفارغ فقط، واختار أن يواجه المشكلات بسلبية قبيحة ويسابق من هم على شاكلته على نشر الغسيل والتشهير بالوطن، حتى وصل الأمر للسخرية من كل شيء، سخرية لا هدف لها إلا النقد من أجل النقد، حتى باتت الأساليب والأدوات التي نتخذها في السخرية من بلادنا وأبناء هذه البلاد من أبرز الأخبار التي ينشرها عنا غيرنا لتحقيق نسب قراءات ومشاهدات عالية في وسائل إعلامهم المختلفة.
بات السعوديون تحت حجة الإبداع والإعلام الحر المفتوح يسخرون كل طاقاتهم للسخرية من بلادهم بينما من هم خارج الحدود يتلقفون بعض منجزاتنا مفاخرين بها ومتخذين منها شاهدا يضغطون به على حكوماتهم التي لم تقدم لهم ما يماثله في بلادهم.
احتفت دول الجوار بمدينة الملك عبدالله الرياضية وتحديدا بملعب الجوهرة المشعة، وتفرغ السعوديون للسخرية والتنكيت على بعض الملاحظات التي رافقت حفل الافتتاح، بل إن البعض أصبح يبحث عن العيوب والنواقص، وإن لم يجد اختلق العيوب، حتى قال البعض منذ فترة إنه لو كان عملاق الإلكترونيات بيل جيتس سعودياً لحوّل مشروعه الطموح الذي أنجز من خلاله بناء أكبر شركات التكنولوجيا في العالم إلى سلسلة من مطاعم المندي والمثلوثة!
يكفي أن تطالع "تويتر" مع كل حدث لا يروق للبعض أو مشكلة ما لتجد سيلاً من التعلقيات الساخرة يضج بها موقع التواصل الشهير وأكثر من "هاشتاق" تهاجم بلا هوادة دون أن تطرح حلاً أو رؤية أو حتى مجرد فكرة.
وأقول إنه لو وظف السعوديون الوقت الذي يستغرقونه في السخرية بكل إنجاز يتحقق في بلادهم في إبراز منجزاتهم، خاصة وهم يستحوذون على مواقع التواصل الاجتماعي إقليمياً وفي بعضها دوليا، لظهرت بلادهم أمام العالم بشكل مغاير ولتفوقت في صورتها على كثير من الدول التي يسوق لها السعوديون أنفسهم.
ما سبق لا يعني بالطبع أنني أرفض أن يوجه المواطنون نقدهم إزاء التقصير والإهمال والفساد، فهذا برأيي فرض عين، ولا يعني أنني أبرئ مسؤولا تنصل من مسؤوليته من نقد يستحقه، لكن لأننا - نحن السعوديين - لسنا استثناء في هذا العالم، فكفانا جلدا للذات، لأن جلد الذات، كما نعلم، هو محاولة للهروب من المشكلات، بدلاً من البحث عن حلول لها، أو طرح بدائل صالحة للتطبيق على أرض الواقع، وبالتالي علينا أن نوجه سياط نقدنا للمقصرين والمهملين والفاسدين فقط، وفي موازاة ذلك علينا أن نبني ولا نهدم، نتفاءل ولا نتشاءم، نطرح الرؤى والأفكار البناءة، ولا نصدر مشاعر الإحباط والقلق واليأس للمجتمع، عندئذ سنكون، جميعا، طاقة إيجابية تدفع ببلادنا ومجتمعنا إلى الأمام.