لم يكن 2013 عاماً جيداً لمنع أو إنهاء الصراعات. ويتوقع تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أن هناك 10 صراعات بشكل خاص ستستمر وسوف تهدد الاستقرار العالمي في العام الحالي 2014، هذه الصراعات هي:
1- سورية ولبنان: لم يكن للاختراق الدبلوماسي في سبتمبر بخصوص الأسلحة الكيماوية السورية تأثير على ساحة المعارك. العنف يستمر، ويزداد سوء الوضع الإنساني هناك. هناك انقسام دولي واضح ليس فقط بين مؤيدي نظام بشار الأسد ومعارضيه، ولكن بين مؤيدي فصائل المعارضة أيضاً، وهذا يسبب الانقسام السياسي والعسكري بين هذه الفصائل. ويُعد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) التابع لتنظيم القاعدة هو التنظيم الأقوى على الأرض حالياً، خاصة في شمال سورية، لكن الكثير من الفصائل الأخرى توحدت تحت اسم "الجبهة الإسلامية" على أمل استرداد المبادرة ومنع داعش من توسيع نفوذها. والمشكلة حالياً هي أن لبنان، الذي يستقبل لاجئين سوريين بأعداد ضخمة تصل إلى حوالي ربع عدد سكان لبنان، بدأ ينزلق في الصراع الدائر بشكل مباشر، وتدخل حزب الله المتنامي لصالح النظام السوري يزيد في حدة الصراع وإعطائه صبغة أكثر طائفية.
الاهتمام الدولي مكرس حالياً على عقد مؤتمر جنيف 2 في 22 يناير الحالي، لكن كل من الطرفين يتوقع أن يكون المؤتمر فرصة للطرف الآخر ليعلن استسلامه، ولذلك هناك أمل ضعيف في نجاحه. مواقف مؤيدي الطرفين ستكون حاسماً في إجبار الطرفين على التوصل إلى اتفاق، لكن استعداد هذه الدول للقيام بذلك لا يبدو مشجعاً أيضاً.
2- العراق: منذ أبريل 2013، عندما كثفت حكومة نوري المالكي حملتها العنيفة ضد حركة الاحتجاج السُنية السلمية، ارتفعت وتيرة الهجمات والاعتقالات والإعدامات بشكل تدريجي. عدم ثقة السُنة بالحكومة المركزية أعلى من أي وقت مضى، مما أدى إلى توفير فتحة لتنظيم القاعدة في العراق بعد سنوات من التراجع. لذلك التفت السُنة في العراق إلى سورية، آملين أن يؤدي انتصار المعارضة هناك إلى عودة سياسية لهم في العراق. من المتوقع أن يشهد العام الجديد مزيداً من التداخل بين الصراع في سورية والعراق. لوقف العنف، على الحكومة العراقية أن تغيِّر نهجها بشكل كبير: يجب أن تكسب ثقة السُنة في العراق وتعيدهم إلى المشاركة في العملية السياسية والحرب ضد القاعدة، وأن تستخدم قاعدة الدعم في الداخل لتأمين حدودها. الانتخابات البرلمانية العراقية في 2014 ليس من المتوقع أن تقدم أي حلول، بل ربما المزيد من أعمال العنف التي قد تستدعي تدخلاً خارجياً.
3- ليبيا: تعاني ليبيا من كثير من المخاطر الأمنية وهي عالقة في طريق سياسي مسدود. لذلك فإن العملية الانتقالية لمرحلة ما بعد القذافي في ليبيا تهدد بالخروج عن مسارها في أي لحظة. ينتهي تفويض المؤتمر الوطني العام في 7 فبراير 2014، وتشكيل لجنة لكتابة الدستور متأخر حالياً لمدة سنة. كان رئيس الوزراء الحالي، علي زيدان، هدفاً لعدة هجمات ولعملية اختطاف قصيرة، وهناك دعوات متزايدة لعزله من منصبه. كما أن الثقة الشعبية بمؤسسات الدولة تتراجع بسرعة، وكذلك معها الثقة بالعملية الانتقالية التي كان يفترض أن تخلق إطاراً لديموقراطية جديدة. ليس هناك حل سهل لمشاكل ليبيا. على الأقل، ستبقى ليبيا مبتلاة بوجود ميليشيات محلية وانتشار أسلحة خفيفة لسنوات قادمة، مما يحبط محاولات الحكومة لإعادة بناء القوى الأمنية وتأمين حدود البلد.
4- هندوراس: تُعد هندوراس عاصمة الجريمة العالمية، حيث وقعت 80 جريمة قتل لكل 100 ألف مواطن في عام 2013. نظام تطبيق القانون الضعيف يعني أن الجرائم الأكثر خطورة لا تمثل أمام القضاء. هندوراس بلد فقير وهو بين الـ10 دول الأقل مساواة في العالم. تمتد نشاطات الجريمة المنظمة من تجارة المخدرات والاتجار بالبشر إلى الخطف والابتزاز. وأصبحت المجموعات الإجرامية قوية بما يكفي، بحيث فقدت الدولة السيطرة على أجزاء من البلد. منذ عام 2009، قُتل 10 ناشطين في مجال حقوق الإنسان، و29 صحفيا، و63 محاميا، وحوالي 20 مرشحا سياسيا، وفي جميع هذه الحالات تقريباً لم يتعرض أحد للمحاسبة. خاض الرئيس الجديد لهندوراس، خوان أورلاندو هرنانديز، حملته الانتخابية على قاعدة الرد بقبضة حديدية على الجريمة وبناء قوة شرطة عسكرية. لكن مثل هذا الرد المبني على مؤسسات فاسدة من غير المتوقع أن يحل المشكلة، وعلى الأرجح فإن المشكلة سوف تستمر وتزداد حدة في 2014.
5- جمهورية أفريقيا الوسطى: أشهر من الصدامات الدموية في جمهورية أفريقيا الوسطى جلبت البلد الضعيف أصلاً إلى حافة الانهيار، حيث نزح حوالي 400 ألف شخص واضطر الآلاف إلى الهرب والاختباء خوفاً من القتل. حوالي نصف السكان بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة، والخدمات الحكومية، بما في ذلك الشرطة والجيش، لم تعد موجودة. منذ سنة تقريباً، كانت هناك اتفاقية لنقل السُلطة من الرئيس في ذلك الوقت، فرانسوا بوزيزي، لكنها فشلت وقام متمردو سيليكا – وهو اتحاد للمقاتلين المسلمين من جمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد والسودان - بعملية انقلاب للإطاحة بالرئيس بوزيزي وتنصيب قائدهم ميشيل جوتوديا مكانه. في سبتمبر، حل جوتوديا تنظيم سيليكا، مما أثار موجة من العنف دون أن يكون هناك جيش وطني فاعل لمنعها. وقد انقسمت منذ ذلك الوقت سيليكا إلى عدة فصائل دون قيادة، وهي تصطدم بشكل منتظم مع جماعات مسلحة من القرويين وقوى الأمن الوطني. ما يثير القلق أكثر هو أن الصرع أخذ شكلاً دينياً، حيث تقاتل سيليكا ضد جماعات مسيحية للدفاع عن النفس. إذا زادت أعمال العنف وتصاعدت التوترات الدينية، قد يقود هذا إلى صراع ديني مخيف على نطاق واسع، وقد ينتشر إلى دول الجوار. وقد صادقت الأمم المتحدة لفرنسا على إرسال 1600 جندي لتعزيز القوة الأفريقية لمساعدة أفريقيا الوسطى (ميسكا) في محاولتها لاستعادة النظام والقانون إلى البلد.
6- السودان: في نوفمبر الماضي، أعلن وزير الدفاع السوداني عن حملة جديدة ضد الجبهة الثورية السودانية في جنوب كُردفان، ودارفور، والنيل الأزرق، تهدف إلى "إنهاء التمرد". تحالف المتمردين رد بصورة مماثلة وقام بهجمات على طرق استراتيجية ومنشآت عسكرية في شمال وجنوب كُردفان. تراجعت الخرطوم فيما بعد وأعلنت عن استعداد الحكومة لاستئناف المفاوضات. في دارفور، يتركز القتال بين القبائل العربية المؤيدة للحكومة المركزية وبين القبائل غير العربية. منذ بداية 2013، تسبب الصراع بنزوح 450 ألف شخص إضافي.، كما لجأ 50 ألف شخص إلى تشاد. يشير تشكيل جماعات إسلامية متشددة إلى أن الحكومة بدأت تفقد سيطرتها على جميع الأصعدة. الحل لهذه التحديات يكمُن في إعادة تعريف العلاقة بين الخرطوم وباقي أنحاء البلد. إحدى العقبات العديدة أمام إصلاح العلاقة بين الحكومة المركزية والمحيط في السودان هي إدانة الرئيس السوداني عمر البشير، بجرائم حرب من قبل محكمة الجنايات الدولية. لذلك فإن عمر البشير قد يمنع أي تغيير حقيقي خوفاً من خسارة السُلطة والمثول أمام المحكمة.
7- الساحل وشمال نيجيريا: برزت منطقة الساحل وشمال نيجيريا كمصدرين رئيسيين لعدم الاستقرار لأجزاء في غرب ووسط أفريقيا. ويتوقع في 2014 أن تستمر حركات انفصالية والإرهاب الإسلامي والتوتر بين الشمال والجنوب في إشعال أعمال العنف الذي لا تستطيع حكومات المنطقة الضعيفة أن تعالجها. في مالي، تمكَّنت القوات الفرنسية من استعادة السيطرة على المدن الشمالية من جماعات إسلامية متشددة. وبالتالي جرت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في المدن الرئيسية بدون أحداث تُذكر. لكن البلد لا يزال بعيداً عن الاستقرار، ولا تزال هناك هجمات إرهابية وصدامات داخلية ومعارك بين جماعات الطوارق والجيش المالي. لتفادي تصعيد الصراع، على مالي أن تنظر إلى ما بعد الهموم الأمنية الآنية وتقدم لسكانها المختلفين الخدمات الأساسية، والعدالة غير المنحازة. وفي نيجيريا، لا تزال حركة "بوكو حرام" تشن تمرداً مسلحاً دموياً. وعلى الرغم من الحملة الحكومية الصارمة التي بدأت منذ عام، لا تزال الحركة تشن هجمات على منشآت عسكرية وأمنية وعلى المدنيين على حد سواء. وما لم تقم الحكومة بإصلاحات مهمة، مثل محاربة الفساد وتشجيع التنمية، فإن القتال سيستمر ويسبب المزيد من الضحايا في 2014.
8- بنجلاديش: تدخل بنجلاديش عام 2014 وسط تصاعد العنف السياسي، حيث قُتل عشرات الأشخاص في صدامات بين الشرطة وبين المعارضة قبل الانتخابات التي ستجري في يناير. قال الحزب الوطني البنجالي إنه سيقاطع الانتخابات بسبب الحُكم الاستبدادي لحزب عوامي ليج الحاكم ونيته تزوير الانتخابات. الحل الوحيد يكمُن في تفاوض المعارضة مع الحكومة والاتفاق على خريطة طريق.
9- آسيا الوسطى: الانسحاب من أفغانستان ليس الشيء الوحيد المقلق في آسيا الوسطى. معظم الدول في هذه المنطقة يحكمها قادة كبار في السن وليس هناك آلية انتقال واضحة للسُلطة. هناك صراعات على الحدود بين أوزبكستان وقرغيزستان وعلى المياه بين أوزبكستان وطاجاكستان. لدى كازاخستان، الغنية بالموارد الطبيعية، طموحات بالزعامة الإقليمية، لكنها تعاني من عدة مشاكل داخلية أيضاً.
10- شمال القوقاز (سوشي): تستضيف روسيا في فبراير الألعاب الأولمبية الشتوية في منتجع سوشي على البحر الأسود؛ لكن الأمن يشكل مشكلة كبيرة. زعيم حركة شمال القوقاز الإسلامية المتشددة، دوكو عمروف، هدد بتعطيل الأولمبياد وحث المتشددين على استخدام جميع الوسائل الممكنة للقيام بهجمات إرهابية في جميع أنحاء روسيا. ويبدو أن جهوده نجحت مبدئياً: في 2013، كان هناك 30 هجوما إرهابيا على الأقل في جنوب روسيا. كما كان هناك هجومان في 30 ديسمبر أديا لمقتل العشرات في فولجوجراد. ورداً على ذلك، قامت الحكومة الروسية بوضع إجراءات أمنية غير مسبوقة في سوشي، وشددت الإجراءات على الحدود لمنع تسلل المقاتلين من الخارج. يجب أن تكون سوشي آمنة من أجل الألعاب، لكن العودة إلى سياسة القبضة الحديدة من شأنها أن تكثف الصراع بعد انتهاء الألعاب، مما يعني أن 2014 سيكون عاماً دموياً آخر في جنوب روسيا.
مجلة (فورين بوليسي)
• مجلة أميركية تعنى بالشؤون السياسية والاقتصادية والفكرية.
• تأسست عام 1970 وحصلت على عدة جوائز أميركية وعالمية.