التعليم ليس حكراً على سن معين من عمر الإنسان ويموت الإنسان ولم يكمل تعليمه ولن يصل إلى العلم الكامل. ويعيش الإنسان طوال عمره وأمامه الكثير ليتعلمه، والتعليم ليس مرتبطا بسن معينة للإنسان هذه وجهة نظري الشخصية ووجهة نظر كل من يرغب أن يتعلم، ولكن رغبته تواجه بالنظام واللوائح التي تمنعه من الدراسة النظامية وتسمح له بالدراسة عن بُعد أي عن طريق برنامج "الانتساب" في الجامعات ومن خلال برنامج التعليم من "المنازل" في التعليم النظامي "العام"، ومع تقديري واحترامي للأنظمة واللوائح التي وضعت الاستثناء حلاً في بعض الحالات التي يتجاوز فيها الطالب عدد السنوات المسموح له فيها التسجيل في الجامعات بعد حصوله على الثانوية العامة وهي مرور خمس سنوات، ومع تقديري لأسباب المنع إلا أن الأسباب التي تدفع إلى إلغاء هذه الشروط كثيرة وعديدة، ومنها على سبيل المثال الطلبة الذين يحصلون على الثانوية العامة وتسمح لهم درجاتهم بدخول الجامعة، إلا أن ظروفهم الخاصة جداً تمنعهم من استكمال الدراسة الجامعية مؤقتاً وتأجيلها حتىانتهاء ظروفهم مثل أولئك الذين يعانون من الظروف الاقتصادية الصعبة فتدفعهم إلى العمل المؤقت لمساعدة أهلهم وأولادهم لفترة محددة ثم يعودون لتكملة دراستهم وعددهم كبير ولهم الرغبة الأكيدة في استكمال دراستهم إلا أنهم يواجهون برفض طلبهم بنص لائحة القبول في الجامعات بحجة تقادم حصولهم على الثانوية العامة.
ومن الأمثلة الطالبات اللاتي يتزوجن في سن الثامنة عشرة أي بعد حصولهم على الثانوية العامة مباشرة وعددهن كبير جداً، وهو تقليد متبع في بعض العوائل والقبائل والمدن والقرى، وتفرض عليهم الحياة الزوجية في سنواتها الأولى التفرغ للمنزل أو للطفل الأول ورعايته حتى سن المدرسة ثم يبدأن في التفكير في تكملة دراستهن في الجامعة فيواجهن بالرفض وحتى أحياناً يواجهن بالرفض في مجلس الجامعة صاحب الصلاحية في الاستثناء تقديراً للظروف الخاصة لكل حالة، إلا أن بعض أعضاء مجالس إدارات الجامعات يفتقدون الحس الإنساني والاجتماعي في تحقيق رغبة من هو صادق وراغب وقادم بإرادته للتعلم.
رحم الله شقيقتي "هدى" صاحبة الفضل مع والدتي رحمها الله في تربيتي وإخواني وأخواتي والتي حرصت على تهيئة الأجواء المناسبة لدراستنا ونجاحنا وفضلتنا على نفسها في التعليم حيث توقفت عن التعليم في سن الابتدائي لتتفرغ لتربيتنا، وعندما كبرنا وتخرجنا من الجامعات قررت أن تكمل مسيرتها التعليمية، وتم لها ذلك حتى حصلت على الثانوية العامة وهي على أبواب الستين من عمرها.
ورحم الله زميلنا في الدراسة "العم أبو محمد" الذي كان يكبرنا بحوالي أربعين عاما ويدرس معنا في جامعة الملك عبدالعزيز وكان ذلك قبل أربعين عاماً، وقد حصل آنذاك على استثناء خاص للدراسة من أستاذنا معالي الدكتور محمد عبده يماني - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته - مدير الجامعة آنذاك. وتفوق "أبو محمد" في دراسته وتخرج وحاول تكملة دراسته للحصول على الدكتوراه إلا أن عمره قد انتهى، رحمه الله، وقد سألته في أحد اللقاءات لماذا تدرس "يا عم أبو محمد" وأنت في هذه السن؛ فقال أجبرتني الظروف أن أتوظف وأنا في سن مبكرة لأرعى أبي وأمي ثم زوجتي وأولادي وعندما انتهت مهمتي وتوفى الله والدي ووالدتي وتخرج أبنائي وبناتي من الجامعات قررت أن أعوض الذي فاتني في عمري من العلم.
وقبل شهرين كنت رئيساً للجنة مناقشة درجة الدكتوراه في إحدى الجامعات المصرية في القاهرة وكانت الطالبة قد تجاوزت الخمسة والخمسين عاماً من عمرها وهي متقاعدة عن العمل بعد رحلة كفاح عمل طويلة اختتمتها بعضوية البرلمان المصري السابق وهي ابنة شيخ من شيوخ العلم السابقين في مصر رحمه الله. سألتها عن سبب إصرارها على الحصول على درجة الدكتوراه في هذه السن؛ فأجابتني بأنه ليس وراء الإصرار سوى الرغبة في العلم والمزيد من المعرفة، وليس لها تطلع لأي عمل مستقبلاً، وأكدت أن العلم والتعلم هو الدافع، وهي صادقة فيما تقول.
وفي الولايات المتحدة وأوروبا لا تتاح الفرصة للطلبة والطالبات لاستكمال دراستهم الجامعية مباشرة إذا لم يوجد من يتبناهم ويتحمل تكلفة دراستهم وإعانتهم؛ فكثير منهم يذهبون إلى العمل بعد الثانوية لجمع المال لتغطية تكلفة دراستهم الجامعية بعد سنوات من العمل.
إن رسالتي اليوم لراعي ومطور التعليم الجامعي معالي أخي الأستاذ الدكتور خالد العنقري أن يعيد النظر في لائحة القبول في الجامعات وتجميد البند الخاص بتحديد المدة بعد الحصول على الثانوية العامة، إن نظام التعليم من بُعد مهما كانت كفاءته فلن يرقى إلى جودة التعليم المباشر من داخل الفصول الدراسية في الجامعات. كما أن بعض الظروف الصعبة التي تمر بها بعض الطالبات المطلقات اللاتي لم يحالفهن الحظ في الاستمرار في الزواج المبكر تدفعهن إلى إكمال دراستهن الجامعية بعد الرحلة غير الموفقة في الزواج. والظروف عديدة، ولن أنسى قصة إحدى بنات العائلة التي تزوجت في سن السابعة عشرة وهي في بداية الدراسة للسنة الثالثة ثانوي عندما علمت المدرسة بزواجها قررت المدرسة فصلها ومنعها من دخول المدرسة، وضاعت عليها سنة كاملة اضطرت إلى إعادة السنة مرة أخرى في الولايات المتحدة مع زوجها، وكانت أسباب الفصل أن النظام يمنع قبول الطالبات المتزوجات في الفصول الدراسية وهروباً من النظام تلجأ بعض الطالبات إلى عدم الإفصاح (أي الكذب) على المدرسة، وهنا بداية تعلم الكذب في أول الحياة الزوجية.
فهل بالإمكان أن نعيد النظر في بعض اللوائح والنظم التعليمية الخاصة بالقبول في الجامعات بما يحقق المصلحة العامة؟