في عام 888 ولي إمارة المدينة المنورة حسن بن زبيري بن قيس الحسيني، وكان في بداية إمارته محمود السيرة وعندما قلت العطاءات بسبب النزاعات على السلطة في ذلك العهد، وتأخر راتبه وكثرت ديونه نفذ في السادس من ربيع الأول سنة 901 هو وعدد من أعوانه هجوما على المسجد النبوي ونهب مقتنياته الثمينة والأموال والقناديل والتحف، التي كانت تهدى إليه وجمع الحدادين والصاغة وسبكوا المذهبات نقوداً وهرب خارج المدينة. وللحكاية تفاصيل مثيرة يسردها "أعلام المدينة المنورة في القرن العاشر الهجري" الكتاب الذي حوى ترجمة 150 علماً من أعلام المدينة الذين تركوا أثراً مهماً فيها سواء كان سياسياً أو اقتصاديا أو ثقافياً أو عمرانيا أو وقفياً.
كما تناول الكتاب الذي أصدره مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة أخيرا، سيرة صاحب أكبر موسوعة تحدثت عن معالم المدينة المنورة التاريخية علي بن عبدالله السمهودي، مؤلف كتاب "وفاء الوفا" سنة 911 هـ، إضافة إلى أعلام من الملوك والسلاطين والأمراء ووكلائهم والوزراء والقادة العسكريين وخطباء المسجد النبوي والفقهاء والوعاظ والمؤرخين والمحتسبين وجمع من النخب الذين كان لهم دور وتأثير في المدينة خلال القرن العاشر الهجري.
ويتطرق الكتاب لعائشة بنت خاتون، والدة السلطان سليم التي سكنت المدينة وبنت فيها الأربطة والأوقاف وخصصت تكية للفقراء كانت تعرف باسمها إلى عهد قريب، كواحدة من أعلام المدينة من النساء. واستعرض سيرة السلطان قايتباي أبو النصر الأشرافي، الذي كان مملوكاً اشتراه السلطان الأشرف برسباي واعتقه لتعدد مواهبه، وتولى عددا من المناصب في عهده حتى بويع بالخلافة عام 872 هـ، وكان من أعظم السلاطين الذين سكنوا المدينة واهتموا بعمارة المسجد النبوي، وهو من أعاد بناءه بعد سقوط أجزاء منه بعد الحريق الذي أصابه عام 886 هـ.
مدير مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة أمين عام "المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية 2013" الدكتور صلاح بن عبدالعزيز سلامة، برر لـ"الوطن" إصدار هذا الكتاب الذي جاء في 137 صفحة، بأنه إسهام من المركز الذي رأى تتبع سير أعلام المدينة المنورة في القرون التي ما زال تاريخها غير مكتمل، فبدأ من حيث انتهى الحافظ المؤرخ شمس الدين السخاوي (ت 902هـ) في كتابه "التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة"، وضم كوكبة من أعلام المدينة المنورة الذين عاشوا فيها في القرن العاشر الهجري أو استقروا بها زمنا، وكانت لهم مشاركة فاعلة في الحياة العامة أو أسهموا في الحراك الاجتماعي والثقافي والحضاري للمدينة المنورة في ذلك القرن.
موضحا، أن ذلك يأتي وفقا للخطة التي وضعها المركز بالتعاون مع دارة الملك عبدالعزيز بإصدار مجموعة متميزة من الكتب دعما للمكتبة العلمية والتاريخية والتوثيقية للمدينة المنورة، تزامناً مع فعاليات المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية.
ولفت سلامة إلى أن من بين المناصب وأصحاب الوظائف المترجم لهم في الكتاب ناظر المسجد النبوي وأمين خزانة المسجد النبوي (الخزندار)، ومشرفي عمارة المسجد النبوي، ومهندسي البناء فيه، ورئيس المؤذنين، وشيوخ خدام المسجد النبوي، والبوابين، وشيخ الفراشين، وشيخ المداحين (المديح النبوي - مهنة تطوعية اختفت في هذا العصر -)، ونقيب الأشراف في المدينة، وأمراء الحج، وعددا من أصحاب الأوقاف والأربطة والتجار والصناع الذين ذكروا في المصادر التراثية وسكنوا المدينة في ذلك العهد. واستعرض الكتاب سيرة أكثر من 14 أميراً تعاقبوا على إمارة المدينة وتولوا شؤون الناس فيها، وأبرز ما رصدته المؤلفات التاريخية من سيرهم، كما لم يهمل أعلام النساء اللواتي ترجم لهن في المؤلفات التراثية القديمة. يذكر أن المركز أصدر قبل أيام من هذا الإصدار الجزء الثالث من "كتاب المدينة المنورة في الوثائق العثمانية"، الذي يبرز جوانب عامة من أوضاع المدينة المنورة القرن الماضي من خلال قراءة في الوثائق العثمانية المحفوظة في فرع وزارة الشؤون الإسلامية بالمدينة المنورة، والذي وجد إقبالاً واسعاً بين أهالي المدينة لقيمته التاريخية.