لا أظن المتفحص لمسرح الأحداث الدائرة في مؤسسات الثقافة ومنها الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون وغيرها إلا متسائلا: هل يعقل أن المثقفين قد أظهروا فشلا أو بعضا منه حين أشرعت لهم الأمكنة، وفتحت المصاريع ليديروا ذواتهم ونتاجهم؟، الجواب لا يمكن أن يكون قطعيا سواء أكان بالسلب أم بالإيجاب، فالمهمة لم تكن يسيرة، بل ويبدو أن مسألة الصلاحية الكاملة في الإدارة ليست مجدية وأن الوصاية الإدارية لا تزال مطلوبة لتُعرف الحدود والمسؤوليات ومساحات التحرّك، هذه رؤية موجودة ومتداولة حتى قيل إن المثقف ينبغي أن يتفرغ للإنتاج والإبداع وأن يترك للمؤسسة رعاية حقوقه وإدارة شأنه الثقافي والإسهام في حفزه عن طريق إداريين أكفاء ومحترفين. معلوم أن عقلية المثقف أو المبدع تعتمد النقاش والتساؤل بوصفهما معطيين فلسفيين في التعامل مع المدركات، بل ويتجاوز ذلك إلى فيوضات الحس والإيحاءات الداخلية فيما النظرية الإدارية تعتمد الممكن والمتاح وسبل تسخيره في خدمة الواقع والرقي به، المثقف يهجس بالحرية وارتفاع السقف والتغيير وإعادة التشكيل والتمظهر، ويناجي أطيافا متنوعة زاهية الألوان لكنه يعود بعد برهة حزينا منكسرا حين تصدمه جدران الصمت الباردة، فيذوي ليستعيد طاقته تارة أخرى ويعاود الحلم والكتابة والانغماس، فما بالك إذا أضيف إلى تلك الحمولة الفكرية عبء آخر يتمثل في إدارة مؤسسة ثقافية ذات طابع ينحى إلى البيروقراطية في كثير من تفاعلاته؟ وعليه فلا نقطع بفشل المثقف في إدارة شأنه لكننا نؤمن - على الأقل من وجهة نظر خاصة – أن الأمر نسبي وأنه إذا ما استطاع الفصل بين حضوره كمثقف أو مبدع وبين عمله باعتباره إداريا، ثم أعطي ما يحتاجه من إمكانات فإن الحالة ستكون أفضل وأنجع، ظني - وبعض الظن إثم - أن بعض من جاؤوا إلى سدة التصرف في المؤسسات المعنية بالثقافة هم أحد صنفين: إما معتد بثقافته ورأيه فلا يستمع لرأي أو مشورة، أو أنه طارئ على الثقافة والإدارة معا، غرّه أن وجد نفسه هنا وعلى هذا الكرسي الذي تشرئب له الأعناق، فتشبث به وعض عليه بالنواجذ متجاهلا كل أولئك العابرين الذين يفوقونه دراية وحكمة وإدارة. خاتمة القول إن ثلة طيبة من المثقفين استطاعوا أن يتقنوا عملية "الفصل السيامي" تلك، وأن يعرفوا متى يكونون مثقفين ومبدعين، ومتى يصبحون إداريين ملتزمين متقنين، ولهذا نجحوا كثيرا ولفتوا الأنظار إلى منجزهم وعلا صوت المؤسسة فوق أصواتهم لكن صورهم حفرت في الأذهان كنماذج وأمثلة.