المسافة الزمنية بين اعتراض المعترضين على تعليم البنات، واعتراض أشباههم على رياضتهن، طويلة إلى الحد الذي يمكن أن يغير مفاتيح العقول، في ظل الانفتاح على الثقافات، وإدراك "إنسانية" المرأة، وحقها في ممارسة الحياة، بيد أنها لا شيء عند النظر إلى اجترار الممارسات التي باتت تُروى للتندر، فهل يعقل أننا ما زلنا "نراوح" في المنطقة العقلية والفكرية ذاتها؟

لا أظن ذلك، وإنما أرى للفعل وجها جديدا يشبه القديم في ظاهره، ويختلف عنه في دوافعه.

الأسباب الشرعية التي يتذرع بها البعض ليست حقيقية كما أزعم، بدليل الاختلاف الكبير حولها، مما يجعل مبررات الاعتراض واهية، ما دام الأمر قد دخل في دائرة الاختلاف، ولن أخوض في هذه المبررات، ليقيني الشخصي بأنها ليست السبب الحقيقي.

ما يحدث أمام أي فعل "عادي" تكون المرأة طرفا فيه محير، وليس من حق أحد أن يصم المعترضين بالرجعية والتخلف والتطرف والتشدد، وليس من حقهم ـ هم أيضا ـ أن يعترضوا بالنيابة عن مجتمع كامل يختلف معهم، لكن صوتهم ـ في كل المواقف ـ يعلو على صوت الاعتدال.

أن يكون صوتهم عاليا، فذلك دليل على شعورهم بضعف حجتهم وأسبابهم، وفي ذلك إشارة إلى شيء خفي يحرك أولئك، ويدعوهم إلى الاعتراض على أي فعل، من أجل الاعتراض نفسه، لا بسبب الفعل.

وحين يكون الاعتراض لأجله وحسب، فإنه لا يفسر إلا بالتفسير السياسي، فهل هؤلاء، أو من يحركهم، حركيون يريدون التأليب على السلطة والمجتمع، ويريدون إظهار الدولة في صورة المتناقض مع إرادة الشعب؟

السؤال منطقي إذا استوعبنا أن "اللعبة السياسية الخفية"، تقوم على خلق المشكلات خلقا، بهدف الزعزعة والإساءة، لكن الإجابة عنه بـ"نعم" تفضي إلى الجور إذ شملت المعترضين كلهم؛ فبين هؤلاء متشددون اجتماعيا، ينطلقون من رؤى قبلية ذكورية خالصة، فلا يرون للمرأة حقا في الحياة، وهم أهل السؤال المكرر: "أترضاه لأختك.. أترضاه لأمك"؟

المتشددون اجتماعيا، قد يكونون أدوات في أيدي حركيين محترفين، يستغلون فيهم غيرة هوجاء، وجهلا بالفروق الجوهرية بين القضايا والأفعال، فيستخدمونهم للتعمية، عازفين على وتري: "الدين، والقبيلة"، بينما يكون هؤلاء المحركون الأساسيون خلف كواليس المشهد، ودليل ذلك أن الفعل الاعتراضي منظم ومقصود وغير عفوي، ولا يمكن أن يتحقق هذا التنظيم دون قادة ومحركين.

ما أصعب أن يحاول الإنسان سبر أغوار عقول خارجة عن حدود مربعات الزمن والمرحلة، وما أصعب تفسير ما ليس له سبب ظاهر!

ما كُتب أعلاه، ليس سوى رأي، وأسئلة، ومحاولة جادة للفهم والتفسير.