من يعمل في القطاع الخاص يجد نفسه منهمكاً كثيراً بالاجتماعات، وبقراءة التقارير، والأرقام المالية، من ميزانيات، ومتابعة كل أنواع المؤشرات الاقتصادية، ولأن العالم أصبح متصلاً، فمؤشرات النمو الاقتصادي، أو البطالة في الصين، أو أمريكا، أصبحت ذات شأن في حياتنا، بسبب تأثيرها على أسعار البترول. وهكذا أصبحنا حبيسين، ومرتهنين للأوضاع العالمية، نتابعها صباح مساء، وفي كثير من الأحيان فإن ارتباطنا غير منطقي، وغير صحيح.
لكل ذلك أصبحت أحرص على أي قصص ذات مغزى تنبه إلى ضرورة إعادة التوازن إلى حياتنا الاجتماعية، والأسرية، على حساب اللهاث وراء الريال، والدولار، وهنا إحدى تلك القصص المعبرة:-
عند بداية العام الدراسي الجامعي، وقف الدكتور أمام طلبته المستجدين، وأمامه طاولة عليها عدة أشياء، منها إناء زجاجي، أشبه ما يكون بالمزهرية التي توضع فيها الزهور، وبدأ في وضع بعض الحصى داخل الإناء، حتى لم يعد هناك مكان لوضع المزيد. وسأل الطلبة: هل إمتلأت المزهرية؟ وكان الجواب بالإيجاب.
ثم وضع حصيات أصغر، وخلخلها، حتى دخلت في الفراغات الموجودة بين الحصى.
وسأل الطلبة: هل امتلأت المزهرية؟ وكان الجواب بالإيجاب. وعندما لم يبق فراغ لإضافة حصيات، بدأ بوضع حبات الرمل، واستمر يخلخل المزهرية، ويضيف الرمل، حتى بدا أنه لا يوجد أي فراغ. وسأل الطلبة: وكان الجواب بالإيجاب.
وهنا إلتفت الدكتور إلى طلبته، وسأل إن كان أحد منهم مستعد لتفسير مغزى تلك التجربة التي قام بها؟!
وبالتأكيد أن الطلبة كانوا في حيرة، مما يعنيه الدكتور بتلك التجربة، والتي بدت بسيطة في ظاهرها، ولكن يبدو أن لدى الدكتور هدفاً لا يعرفونه.
وعندما لم يجد الدكتور متطوعين، شرع في شرح ما قام به، وقال هذه تجربة تمثل الحياة. فالمزهرية محدودة السعة، وهي تمثل ما هو مقدر لنا من عمر. أما الحصى فهو يمثل الأمور المهمة، والأساسية في حياتنا: مثل الزوجة، الأولاد، الوالدين، الصحة... إلخ، أما الحصيات الأصغر، فتمثل الأشياء التالية في حياتنا من حيث الأهمية، مثل: العمل، والبيت، وباقي المقتنيات الحسية، التي توفر لنا الراحة، أما الرمل، فيمثل باقي الأمور.
ولذلك لو لم نتّبع الترتيب في ملء حياتنا، وتحديد اهتماماتنا، وأولو ياتنا، فقد نقدم الأقل أهمية على الأهم، وتحديداً لو ملأنا الإناء بالرمل أولاً، لاستحوذ على الجزء الأكبر من فضاء الإناء، ولبقيت مساحة أقل للأمور الأهم، وقد تمنع من إدخال إحدى الأساسيات (الحصى) في الإناء.
كل ذلك يمثل الدعوة للاهتمام بالأساسيات، والأولويات، وأهمها العائلة والأحباب، قبل الأمور الثانوية الأخرى.