يعد نظام تصنيف المقاولين ولائحته التنفيذية من أهم النظم الإصلاحية العامة، ويعد أيضا من أهم المعايير المستخدمة في اختيار المقاولين عند ترسية المشاريع الحكومية، الذي يهدف إلى تقويم إمكانات المقاولين المالية والفنية والإدارية والتنفيذية، لوضعهم في الدرجة المناسبة لمقدرتهم المالية والفنية والإدارية والتنفيذية في مجال واحد أو أكثر من مجالات التصنيف، فضلا عن ارتباطه الوثيق بنظام المنافسات والمشتريات الحكومية ولائحته التنفيذية.
حيث لا يجوز قبول عرض المقاول غير المصنف حتى وإن كان في ذلك وفر للخزينة العامة، فقد نصت المادة (3) من نظام تصنيف المقاولين على أنه "لا يجوز للوزارات أو المصالح الحكومية والأجهزة ذوات الشخصية المعنوية العامة، قبول أي عرض أو عطاء لأي مشروع يخضع للتصنيف، إلا إذا كان المقاول مصنفا، وكان المشروع يقع في المجال والدرجة التي تم تصنيف المقاول عليها".
كما أن المادة (16) من اللائحة التنفيذية لنظام المنافسات والمشتريات الحكومية، قد نصت أيضا على أنه يجب على "المتقدم للمنافسة مراعاة مجال تصنيف الأعمال المتقدم لها، مع التقيد بالحدود المالية لدرجة تصنيفه، ويستبعد العرض المخالف لذلك".
والسؤال المطروح هنا "إذا كان نظام تصنيف المقاولين يعد ضمانا لعدم تعثر المشاريع الحكومية، وآلية للترسية على المقاولين المؤهلين لتنفيذ تلك المشاريع، فلماذا إذن نرى مشاريع متعثرة لمقاولين مصنفين في مجال أعمالهم، ولماذا تحتج بعض الجهات الحكومية بتواضع الإمكانات المالية والفنية للمقاولين إذا كان نظام المنافسات يشترط عليهم استبعاد المقاول في الأساس إن لم يكن مؤهلا فنيا وماليا"؟!.
بطبيعة الحال، لا يخلو أي نظام من السلبيات وعدم الاتقان، وذلك لأنه من وضع البشر، وهؤلاء ليسوا بمنأى عن الخطأ والنسيان، ونظام تصنيف المقاولين يحتاج إلى التعديل والتنقيح كلما دعت الحاجة لذلك، تبعا للظروف والممارسات الفعلية للتطبيق العملي، لذا سوف أتعرض لبعض أوجه الثغرات في النظام مدعمة بالنصوص والشواهد الخاصة بها، وذلك على النحو التالي:
أولا: يستطيع المقاول الدخول في أكثر من مشروع، بحيث تفوق درجة تصنيفه، متجاوزا بذلك قدراته وإمكاناته الفنية والمالية، فقد يكون مصنفا على الدرجة الرابعة أو الخامسة وفق سلم التصنيف، ومع ذلك تكون إجمالي قيمة المشاريع المرساة عليه تفوق مئات الملايين من الريالات، بل وقد تفوق الحد المالي للمقاولين المصنفين في الدرجة الأولى في نفس المجال، وفي بعض الأحيان نجد أن هؤلاء المقاولين يحصلون أيضا على عقود المشاريع المسحوبة من المقاولين الآخرين رغم تعثرهم وسوء أداء تنفيذهم للمشاريع!.
وهنا قد يقول قائل: "بالإمكان سد تلك الثغرة من خلال تطبيق المادة (23) من نظام المنافسات والمشتريات الحكومية التي تنص على أنه: "يجوز للجنة فحص العروض والتوصية باستبعاد أي عرض من العروض من المنافسة حتى لو كان أقل العروض سعرا، إذا تبين أن لدى صاحب العرض عددا من المشاريع، ورأت اللجنة أن حجم التزاماته التعاقدية قد أصبح مرتفعا على نحو يفوق قدراته المالية أو الفنية بما يؤثر على تنفيذه لالتزاماته التعاقدية، وفي هذه الحالة تتفاوض مع العطاء الذي يليه وفقا لقواعد التفاوض المحددة في هذا النظام".
ولكن نجد أن هذه المادة قد أعطت للإدارة الحكومية سلطة تقديرية في الحكم على إمكانات المقاول، إضافة إلى أنها غير ملزمة ولا يترتب عليها آثار قانونية، فضلا عن أن الكثير من الجهات ليست لها القدرة على القيام بمثل هذا التقييم، إما بسبب كثرة المشاريع أو عدم وضوح المعايير.
ثانيا: يحرص المقاولون على تقديم المشاريع التي قاموا بتنفيذها على أكمل وجه، للحصول على درجة التصنيف المطلوبة، ويقومون بحجب المشاريع المتعثرة أو المسحوبة منهم، التي لا تدخل في معايير التقييم، إذ إن المادة (7) من اللائحة التنفيذية للنظام تضمنت فقط أنه لا تحتسب المشروعات خبرة تنفيذية للمقاول في حالة سحب المشروع منه.
ثالثا: تنص المادة (11) من نظام تصنيف المقاولين على أنه "إذا تضامن مقاولان أو أكثر في تنفيذ مشروع ما، يجب أن يكون كل منهم مصنفا في مجال تنفيذ المشروع، وأحدهم على الأقل مصنفا في المجال والدرجة المطلوبة لتنفيذه، ويستفيد المقاول الأدنى درجة بقدر ما نفذ من المشروع في حساب الخبرة التنفيذية"، وفي بعض الأحيان يتم التحايل على التضامن من خلال عقد اتفاقيات شكلية، الهدف منها الاستفادة من التصنيف، إضافة إلى الدخول في المنافسات، بالرغم من أن نظام المنافسات وضع ضوابط لهذه الاتفاقيات منها على سبيل المثال أن تكون الاتفاقية مصدقة من جهة ذات اختصاص كالغرفة التجارية، وللأسف فإن التصديق يكون فقط على التواقيع من طرف المتضامن الأقل درجة في التصنيف!.
رابعا: عدم وضوح مجالات التصنيف، خاصة بالنسبة للشركات التي تمارس أنشطة متنوعة في سجلها التجاري، فلا يراعي النظام بالشكل المطلوب الأعمال التخصصية، الأمر الذي استغلته بعض الجهات الحكومية في استبعاد مقاولين متخصصين في مشاريعها.
خامسا: لم يتضمن النظام ولا اللائحة التنفيذية له فيما يتعلق بتصنيف المكاتب الاستشارية الهندسية، خاصة تلك المكاتب التي تصمم وتشرف على المشاريع الحكومية الكبيرة.
ومما سبق، يلاحظ أن السمة المشتركة للثغرات السابقة في نظام تصنيف المقاولين تتعلق بتعثر المشاريع، مما يتطلب الأمر على الأقل في هذه المرحلة الإسراع في إنشاء قاعدة بيانات للمقاولين تأخذ في الحسبان المشاريع المتعثرة والمسحوبة من المقاولين ومراجعة تصنيفهم على ضوء ذلك، إضافة إلى إعادة النظر في التصديق القانوني لاتفاقيات التضامن، وإلزام الجهات الحكومية بتقييم الإمكانات المالية والفنية للمقاولين، وأخيرا إعادة النظر في تحديد قيمة مالية قصوى للمشاريع التي يمكن ترسيتها على المقاول الواحد، إذ إن هذا الموضوع يعد من أهم الثغرات في نظام تصنيف المقاولين.