لا تُعرف السعادة إلا بعد الحزن ولا تعرف الصحة إلا بعد المرض ولا يعرف الشيء إلا بنقيضه. هكذا نميز الأشياء وهكذا نحس بها. يظل الإنسان حبيس بيئة ومجتمع ومعتقدات لِنصف عمره أو أكثر، بالرغم من وجود الكثير من الوسائل التي كشفت لنا ماذا يوجد خارج أسوار بيئتنا!

صحيح أن الإنسان بطبعه يخاف الجديد ولا يفكر بالتجديد، خاصة إذا كان هذا الشيء يطال عادات وتقاليد تربى عليها، عطفا على فهمه للدين في بيئته! هو بذلك يكون نسخة مكررة لوالده وجده ومن قبلهما، سواء كان ذلك إراديا أو لا إراديا في كثير من الأحوال. عماد ديننا الحنيف التفكر، والتفكر يجب أن يبدأ من حيث سلّمنا، فلا تشغل تفكيرك بالقضايا الجدلية قبل أن تتأكد من أن كل ما تقوم به على وجه التسليم تمت معالجته وغربلته والتمرد عليه إن لزم الأمر، في محاولة جريئة لبداية صحيحة. المصيبة أن التفكر إن وجد في المجتمعات العربية، وجد معكوساً، فبدأ من الآخرين ولم ينته بعد بأنفسنا! إن محاولة الفرد التكشف والاطلاع وتقبل البيئات الأخرى والتقاليد الخارجة عن المألوف هي بداية بلا شك لبناء مجتمع أفضل. في بطون الكتب آلاف الصفحات عن عوالم لم تزرها وقد لا تستطيع فعلاً زيارتها، صفحات تُريك موقعك من العالم. الحديث مع عامل نظافة من بلاد بعيدة يكشف لك مدى قوة معتقداتك أو حتى وهنها، فالشك يولّد اليقين والتفكر يولد الإيمان. لا تخجل من استحداث أو حتى نقل عادة جديدة لمجتمعك الكبير أو حتى الصغير، فإنما تطورت الأمم من قبلنا عندما نقلت المفيد. حكم عقلك وازرع في نفسك الثقة لتكون الحكم لا المحكوم عليه! اجعل من حواسك وسيلة للتحليل لا للانتقاد، وحاول أن تُرجع الأمور لمسبباتها، وأوجد لها الحلول المناسبة المعقولة.. فيا سيدي الفاضل القناعة ليست دائما كنزا!!