قبل عقود من الزمن كانت الميزانية حديث الصوالين والمجالس السعودية، تشدهم قبل صدورها بما يحملها الناس من توقعات: كم حجمها؟ وكم نسبة الزيادات؟! وكلام عن الترقيات.. والرواتب.. وجديد الخدمات.. وحتى مع صدورها فإنها تظل أنيس المجالس وعنصر الحوارات ما بين قانع وآخر كان ينتظر أكثر.

لكن الميزانية في السنوات القريبة الماضية، وخاصة بعد أرقامها التريليونية، صارت أكثر هامشية وأقل اهتماماً لدى المواطن من ذي قبل، بل صار الناس يتساءلون هل ألغوا ضريبة الـ...؟ وهل سيتخلى "ساهر" عن ترصده في كل زاوية وسكة؟ وهل سيتم تطبيق التأمين الطبي على المواطنين؟

ولعل تعثر المشاريع التي ترصد لها المليارات هو أحد أسباب قلة الاهتمام لدى الناس الذين صارت هذه الأرقام الضخمة لا تثيرهم، ربما لأنهم لا يرون لها أثراً في الواقع، أو أن مردودها منصرف إلى جيوب المقاولين الكبار ومن لف لفهم.

أسئلة كثيرة تختال في أذهان السعوديين وتجترها أحناكهم لكنها –الميزانية – لم تعد كما كانت عروس المجالس والصوالين السعودية في شهر رجب، لكن الميزة هي النية وليست الأرقام.

فكر بإيجاب وتذكر أن كثيراً من الأرقام والمشاريع المعتمدة والتي لم تر النور لا تعني عدم التنفيذ، فقد تم اعتماد مبالغها، ثم تأكد أنها استثمار للأجيال القادمة التي لها نصيب في ثروة هذا الوطن بما يبرر التفكير بإيجابية وبعيداً عن الأنانية في مآلات السنوات القادمة وفي ثروتنا النفطية التي ستؤول إلى النضوب بعد زمن وإن طال.

فكر بإيجاب وتذكر أن وطنك هو بيتك، وأن وطنك ليس حصالة لجني الأرباح، ثم تذكر أن وطنك مشاع وشراكة لكل قاطنيه، أي أنه ليس لك وحدك. ثم تذكر أن لك حقوقاً على الوطن يجب أن تحوزها، لكن بالمقابل فإن عليك قبل ذلك حقوقا تجاه وطنك وأهلك.

كلنا نتشارك في هذا الوطن، فلنا احتياجاتنا وعلينا التزاماتنا، ويجب ألا تتضارب مصالحنا وأنانيتنا، ولكنها احتياجات ومصالح تلتقي ولا تتصادم، وتتكامل ولا تتنافر مع المصلحة المشتركة العامة، ويجب ألا تختزل في المصلحة الفردية.

مازال المواطن السعودي يعتبر الوطن ولي أمره، وينتظر منه أن يحقق كل رغباته ويستجيب لكل متطلباته، لكنه ينسى أنه يجب أن يشب عن الطوق، ويتجرد من الاتكال، وأن يكون عوناً وعضداً وسنداً لهذا الأب في سن معينة، وأن يتخلى عن طفولته التي تطول بصورة لا تجدها في الدول المتقدمة.

على المواطن أن يعتبر نفسه شريكاً وترساً في عجلة هذا الوطن التي تدور معاً لتحقق النماء والرخاء بما ينفي بعيداً البطالة والاتكالية ونثر الشكوى وبث التذمر.

الوطن مظلة تحرس وترعى كل من تحتها، الوطن نخلة مباركة، بتعاون الجميع تصبح المملكة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن الله.