في عام 1995 قررت (اليونسكو) الاحتفال باليوم العالمي للكتاب في 23 أبريل من كل عام. وبما أن الهدف من تحديد الأيام العالمية بوقت معين هو التذكير بأهمية الحدث المحتفى به في هذا اليوم، سيما أن الكتاب يستحق أن يحتفى به هذا الاحتفاء العالمي لما له من تأثير في الحضارة الإنسانية. ووافق احتفال العالم بالكتاب، هذا الشهر، وفاة الأديب الكولمبي الشهير (جابرييل جارسيا ماركيز)، وقد أعلنت الحكومة الكولومبية أنها سوف تقرأ روايته الشهيرة "ليس للكولونيل من يكاتبه" في الحدائق والأماكن العامة بمناسبة اليوم العالمي للكتاب؛ وهنا يأتي دور الكاتب، الذي هو مرتبط ارتباطاً رئيساً بالكتاب وبالقارئ في وقت واحد.
أتذكر أن أول كتاب قرأته في حياتي كان في سن بداية المدرسة تقريباً، وأتذكر أنني كنتُ سعيداً، سيما أنه عبارة عن قصة أطفال بعنوان "سامر والعملاق"، مترجمة عن أدب الأطفال الإنجليزي، للمترجم اللبناني ألبير مطلق، وما زلت أتذكر أحداث القصة وألوان الكتاب، ويبدو أن الاهتمام بالقراءة يأتي من الطفولة من خلال الاهتمام بأدب الأطفال تحديداً؛ لما يملكه الطفل من خيال خصب، غير أن المؤثرات الحديثة لم تجعل الكتاب وحيد التأثير في الطفولة اليوم، حيث لعب التلفزيون تلعب دوراً مهماً في كثير من الحالات خاصة في مجال الرسوم المتحركة، وفي العصر الحديث زادت فرص التأثير من خلال الإنترنت والألعاب الإلكترونية التي أصبحت بالنسبة لأطفال اليوم عبارة عن قصص فيها من العنف الكثير!
هذا الأمر لا يغني أبداً عن وجود الكتاب وأهميته في حياة الأطفال، وبما أننا اليوم نعيش فترة زاهية للكتاب الإلكتروني فإنه يمكن للكتاب أن يحضر بكل جلالة قدره حتى وإن كان إلكترونياً، فالقراءة هي القراءة والكتاب هو الكتاب، لم يتغير فيهما سوى "الآلية" والطريقة، أما التأثر والتأثير فيعتمدان على قدرة الكتاب على مخاطبة العقل والعاطفة وإشباع الميول الثقافية.
ولكن من جانب آخر يبدو أن علاقة الإنسان بالكتاب لا تزال حميمة، وأن غراسها يبدأ في سنّ الطفولة، بل غالباً ما تعتبر المؤسسات التربوية المتمثلة في الأسرة من جهة والمدرسة من جهة أخرى بداية مهمة ومنطلقاً تربوياً لنشوء العلاقة بين القارئ والكتاب، سواء بشكله التقليدي (الورقي) أو بالشكل الحديث المتمثل في الكتاب الإلكتروني، وهنا من المهم أن تتاح الفرصة للمجتمع ليجسّد "مجتمع المعرفة"، فسبل المعرفة اليوم لم تعد حكراً على ما تقدمه المؤسسات التربوية، إلا أن المدرسة ستكون فاعلة في هذا المجال إذا ما أسهمت في تنمية الإبداع وتشجيع القراءة والمطالعة وتطوير علاقة الطفل بالكتاب ووسائل النشر الإلكتروني، ويمكن حل ضعف "الإمكانات" من هذه الناحية من خلال رعاة تجاريين لترجمة هذه الفكرة عملياً، حيث أثبتت التجارب أن التشويق هو أسرع الأساليب في إيصال المعلومة لذهن الطفل، ولذلك يتأثر الأطفال اليوم بالقصص والرسوم المتحركة في مرحلة مبكرة من الطفولة.
وهنا تأتي الحاجة للإفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا المجال، كإقامة معارض خاصة بكتب الأطفال في مراحل عمرية معينة، بالإضافة إلى دمج أنشطة الطفل في بعض المؤسسات الثقافية، من المهم أيضاً أن تقوم وزارة الثقافة والإعلام بتشجيع إنشاء المكتبات الشخصية ودعم توجهها للمرأة والطفل، وتشجيع تكوين (مكتبة الحي) بشكل ذاتي في المدن والقرى لتشجيع القراءة والمطالعة وإثراء وتطوير ثقافة المجتمع.
ومهما تقدم بنا التطور الإلكتروني يبقى الكتاب رفيقاً وصديقاً دائماً، صحيح أنه صديق من ورق لكنه يسعد أصدقاءه دائماً، وليس أجمل من أن يكون لقاء الأصدقاء في مكتبة سواء كانت هذه المكتبة في المنزل أو في المدرسة أو في الحي أو في المطار أيضاً.. وهذا ما يحمل على ضرورة الاهتمام بمكتباتنا، التي تتوفر فيها نوعيات معينة لأسماء معينة، وكأن العالم مغلق على هذه الأسماء! من يفكّر قليلاً في تجارب العالم من حولنا في مجال القراءة يجد سرّ تخلفنا في علاقتنا بالكتاب!