عودا بالذاكرة إلى بداية تعليم المرأة في المملكة العربية السعودية وموقف الملك فيصل - رحمه الله - من فتح مدارس تعليم البنات بعد أن واجه معارضة من كثير من المحتسبين، ولكن حكمته - رحمه الله - ورؤيته الثاقبة كقائد وحاكم غير رؤية المحتسب الذي ينظر من زاوية واحدة، بينما الحاكم ينظر إلى الأمور بشمولية وحكمة ودراية تتعلق بكيفية بناء الدولة والأمم والشعوب، ولهذا كانت رؤية الملك - رحمه الله - أبعد من رؤية أولئك المحتسبين، الذين قد نحتسب لهم اجتهادهم الخاطئ في عدد من القضايا الملحة ومنها قيادة المرأة للسيارة، وعملها اللذان لا يوجد نص شرعي لتحريمهما، وأن وجود الأجنبي كمحرم هو أشد من "الحمو"، الذي كان من أهم المبررات لفرض بعض الأفكار التي أضعفت الأسرة والمجتمع، ولكن تصوروا لو أن الملك فيصل - رحمه الله - رضخ لرغبة المحتسبين ولم تفتح مدارس تعليم البنات، كيف سيكون حالنا اليوم؟ بلا منازع سنكون أجهل شعوب العالم وأكثرها تخلفا، نعم أمة يوجه الله أوامره بالقراءة في أول توجيه لرسوله صلى الله عليه وسلم، ويضع لنا أبجديات الحياة ومتطلبات الدين والعبادة التي لا تقوم إلا على التعلم والتعليم، ولهذا فالتعلم فريضة على كل مسلم، أخذا بالقاعدة الشرعية التي تقول "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، وبالرغم من بعض المعاناة من ذلك الفكر المتشدد، الذي يخلط بين التقاليد والدين في كثير من المواضع، لا يزال تأثيره وسيطرته على تفكيرنا وسياساتنا بارزا حتى اليوم، ومن بين هذه الأفكار اسم المرأة الذي يعد عورة في المجتمع، ولا يقبل كثير من الناس أن يذكر اسم المرأة باسمها، فينادونها بأم فلان، ويا مرة أو يا حرمة، حتى أم الواحد منا صار يناديها باسم ابنها، هذا السلوك ليس من باب الدين لأن الدين لم يمنع أن تنادى المرأة باسمها، واليوم يقف كل سائق أو ولي أمر عند باب المدرسة لينادي الطالبة أو المعلمة أو الموظفة باسم ولي أمرها، وكأن اسم المرأة عار أو عيب أو ذنب أو محرم في الدين، لا أفهم لماذا لا ننادي المرأة باسمها بدلا من تهميشها وجعلها نكرة وعارا نخجل من ذكر اسمها؟
إنني أسأل عن المبرر وراء عدم مناداة المرأة باسمها؟ هل إخفاء هويتها بعدم ذكر اسمها أمر شرعي أم أنها عادة وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان؟ هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ينادون النساء بأسمائهن أم بماذا؟
إنني أتمنى أن نعرف رأي النساء ونحن نناديهن بأسماء الذكور، أعتقد أن المرأة أيا كانت لا تحبذ أن تنادى إلا باسمها واسمها فقط، ولهذا فإنني أطالب باسم كل امرأة وباسم كل أم وأخت وزوجة وابنة وعمة وخالة، الأمير خالد الفيصل أن يكمل ما كان قد بدأه والده الملك فيصل - رحمه الله - من تمكين للمرأة من حقها في التعليم وفي الكرامة الإنسانية وبكونها مواطنة لها اسمها ووظيفتها ودورها في إعداد المواطن وبناء الوطن، ولأنها محاسبة أمام الله على علمها ماذا عملت به، بأن يسمح أولا بإطلاق أسماء الصحابيات وزوجات الرسول ونخبة النساء ومبدعاتها ورموزها النسائية في تاريخنا الإسلامي على مدارسنا، أليست شوارعنا تحمل مسميات النساء من صحابيات جليلات وشخصيات من خير من عرفهن التاريخ تقديرا لهن وتذكيرا بأدوارهن المشرفة في تاريخ أمتنا وحضارتنا؟ لهذا فإني أشدد على رفع الظلم عن مدارس البنات التي تحمل أرقاما مهينة لنسائنا ولنا نحن كدولة ومجتمع، وكأنها سجون أو ثكنات عسكرية.
إن استمرار هذه المسميات الرقمية لمدارس بناتنا لا تليق بشرف نسائنا ولا بكرامتنا نحن، ولا بدولتنا التي يجب أن تكون في طليعة من يدافع عن حقوق المرأة المسلمة، وكيف ندعي أن إسلامنا شرف المرأة وكرمها ثم نخالف ذلك بالعادات والتقاليد ونهين نساءنا أمام شعوب العالم؟ ولهذا وجب أن نقتدي بمناصر المرأة الملك عبدالله بن عبدالعزيز - متعه الله بالصحة والعافية -، الذي بادر بتسمية جامعة نورة بنت عبدالرحمن على واحدة من أكبر وأهم مؤسساتنا التعليمية العليا، ولنا أن نتبع منهجه ونقتدي بسياسته، آملين أن نرى قريبا أسماء مدارس بناتنا وقد أطلق عليها، أسماء النساء المشهورات في تاريخنا الإسلامي ممن نفتخر بهن وهن من نعتمد على أحاديثهن في ديننا وعبادتنا، كما يجب أن نهتم بسيرهن لأنهن القدوة التي يجب أن تكون عليها نساؤنا وبناتنا، وأن نعرف بأولئك النسوة الفاضلات ممن كرمهن الله بسورة النساء في القرآن وشرف خير نساء العالمين بسورة مريم، أليس القرآن مرجعنا ومصدرنا؟ إذا يجب أن نقتدي بقرآننا وبرسولنا وبمليكنا، الذي أعطى المرأة حقها في ذكر اسمها والتعريف بها وعدم تهميشها وإقصائها وتجريدها من حقها في أن تنادى باسمها.
نريد من الأمير خالد الفصيل أن يزيح الستار قريبا عن أول لوحة لمدرسة تحمل اسم أم المؤمنين عائشة، تليها مدرسة حليمة السعدية، وخديجة، وفاطمة - رضي الله عنهن أجمعين -. ونريد من كل مدرسة يطلق عليها اسم واحدة من النساء أن تبادر إلى وضع نصب مكتوب عليه سيرتها ومناقبها، وأن يكون من بين اهتمام المدارس البحث عن مناقب ومآثر تلك الشخصية النسائية ممن ولدن الفاتحين والقادة والعلماء والشهداء حتى نتعرف على تاريخنا وتاريخهن المشرف، ولعل المنهج الخفي هنا يتمثل في زرع الاحترام والتقدير للمرأة والتذكير بدورهن الكبير في بناء المجتمع وفي إسهامهن في كثير من ميادين الحياة حتى نستوصي بالنساء خيرا.